ضحايا مذبحة بورسعيد (شهداء) يا خطباء الفتنة!!

بعد مرور أسبوع تقريبا على مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها 74 شهيد (وهناك أقوال عن وصول العدد لأكثر من 130) من مشجعي النادى الأهلى، بالإضافة إلى سقوط ما يزيد على الثلاثمائة مصاب.. أختلفت التحليلات والتوقعات والرؤى عن أسباب المجزرة ودوافع أرتكابها بين التحريض والأنتقام والكراهية والتراخي الأمني.


شاهدت وقرأت عشرات البرامج والمقالات وتابعت الأخبار الواردة بشكل متقطع عن أعمال لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي ذهبت لمعاينة موقع الحادث.. أملا في العثور على من يكشف اللغز ويحدد الجاني الذي قال عنه المولى عز وجل في محكم كتابه: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}

وبقدر الحزن الذي مازال يسيطر علي حتى هذه اللحظة، بقدر ما شعرت بالغضب وأنتابني إحساس مُلح بالتقيوء على من لا أجد ما يناسبهم من وصف سوى ما قاله شيخنا الجليل محمد متولي الشعراوي عليه رحمة الله (خطباء الفتنة).

تلك الفئة من البشر التي تدعي العلم (بغير علم) وتعيس في الأرض فسادا، الذين قال عنهم الشيخ الشعراوي (هم الذين يبررون لكل ظالم ظلمه، والذين يجعلون دين الله خدمةً لأهواء البشر).

تلك الحفنة من البشر التي تهوى الشو الإعلامي، وتتاجر باسم الدين وتفتري عليه بما ليس فيه، تمثلت في شخصين أنا في حل من ذكر أسميهما لا عن خوف أنما تأفف ورغبة صادقة في الحفاظ على البياض الناصع الذي يكسو المدونة.

بعد المجزرة التي راح ضحيتها 74 (شهيد) ووسط الحزن والغضب الذي يُسيطر على النفوس، والهلع الذي لن تنجح الأيام في نزعه من قلوب أولياء الضحايا وأحبائهم، يخرج علينا من يدعون العلم والمعرفة والتبحر في أمور الدين نافين صفة الشهادة عن المقتولين غدرا وغلا.

يقول أحدهما أن "الشهادة ليست تكية يعطيها الإعلاميون كما يشاءون لكل من قُتل"!!، لا سيما وأن هناك من كان لا يصلي فيمن ماتوا!!، متسائلا "انتم ح تقابلوا ربنــا إزاي؟ لمــا يسألكم حتقولوا كنــا في ماتش كورة؟"

بينما يتجاوز الثاني نبوغ صاحبه ويخطب قائلا أن "الذين لقوا مصرعهم من جماهير كرة القدم في استاد بورسعيد ليسوا شهداء، فهم لم يقاتلوا في سبيل الله، إنما ذهبوا في سبيل اللهو المحرم شرعا"، مؤكدا أن كرة القدم حرام وهي لعبة دخيلة على المسلمين لأن الإسلام لم يحلل سوى رياضات ثلاث هي الرماية والسباحة وركوب الخيل!!.

وختم خطبته بأن "هناك بذرة نتنة ذُرعت في البلاد، يخشى الجميع أن يواجهها حتى لا يقال عنه إنه متطرف أو متشدد، هي بذرة أن يصير اللهو حرفة.. بذرة أن يوجد ما يسمى بتشجيع مباريات الكرة".

مثل هؤلاء لن يُجدي معهم جدال ولا حوار، لكننا ودفاعا عن أخوتنا الذي أُزهقت أرواحهم بمؤامرة نجسة، نؤكد أن جمهور الفقهاء ذهب إلى أن من قتل ظلماً يعتبر شهيدا في الآخرة، له حكم شهيد المعركة مع الكفار من الثواب، وليس له حكمه في الدنيا، فيغسل ويصلى عليه.

ويرى الحنابلة (نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل) أن من قتل ظلماً هو شهيد يلحق بشهيد المعركة في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، لقول سعيد بن زيد رضي الله عنه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ولأنهم مقتولون بغير حق فأشبهوا من قتلهم الكفار".

ويرى المالكية (نسبة إلى الإمام مالك بن أنس) إن هذا النوع من القتل يسمى الغيلة، لا عفو فيه لا لأولياء المقتول ولا للسلطان لما فيه من الإفساد وقتل النفس وزعزعة الأمن وهو نوع من أنواع الحرابة.

يقول ابن أبي زيد (قتل الغيلة لا عفو فيه ولو كان المقتول كافراً والقاتل مسلماً)، وقد استدل المالكية لذلك بآثار كثيرة منها ما رواه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض قبول عذر الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد غيلة.

وعليه؛ فإن على ولي أمر المسلمين أن يقتل القاتل ولا يجوز له العفو عنه، لأنه حد من حدود الله تعالى.

أما إذا لم يكن القتل غيلة لأجل المال فإن الحق لأولياء دم المقتول، وعلى ولي أمر المسلمين أن يمكنهم من القصاص من القاتل فإن شاءوا عفوا عنه وأخذوا الدية.

ولا يعفيه من ذلك أن المقتول تارك صلاة، لأن جمهور أهل العلم يقولون إن كفر تارك الصلاة كفر غير مخرج من الملة.

من كتاب الإمام النووي في تعريف الشهيد: "هناك من ينال مرتبة الشهداء ويطلق عليه شهيد وهو لم يقاتل في سبيل الله، وإنما أطلق عليه لفظ شهيد لأنه ينال مرتبة وأجر الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله"

من قُتلوا غدرا في بورسعيد لم يذهبوا للتخريب أو لإفساد الأرض، شهداء بورسعيد كانوا (عليهم رحمة الله) من خير شباب الوطن المتعلم المثقف الواعي.. فاللهم أسكنهم فسيح جناتك وألحقنا بهم وكف ألسنة مُدعي العلم عنهم وعن أهليهم يارب العالمين.