عندما تدب الحياة في كتاب!


من خمس سنين تقريباً، يمكن أكتر أو أقل، أظن في فترة كورونا والحجز/الحجر الإجباري في البيت، عرفت أوديوهات لأول مرة أثناء تصفح عشوائي على يوتيوب.

مش فاكر الحقيقة كنت بدور على إيه وقتها، ولا بتفرج على إيه، ولا قاعد أساساً بعمل إيه. بس فجأة لقيت في الفيديوهات المقترحة اللي بتطلع على اليمين دي، صورة سوداء مكتوب عليها بخط أبيض "أسطورة وراء الباب المغلق - الحلقة 1". والفيديو مدته فوق الساعة!

لوهلة تصورت ان دي حاجة Fan made بقى وشغل عبث من اللي بيقابل الواحد في المعتاد كل ما يفتح يوتيوب، أو على الأغلب هو أقرب لكتاب صوتي مقروء. 

وهنا وجب التوضيح أني مبحبش الكتب الصوتية، مش لعيب في صوت القاريء لا سمح الله، أنما لعيب في شخصي كبني ادم مبيعرفش يركز مع النوعية دي من الملفات الصوتية، أو يعني واعذروني للجليطة، أنا هستفاد ايه لما حد يقرالي كتاب؟. أنا بعرف أقرأ والله، من أيام ميكي جيب وسمير، والمغامرون الخمسة والشياطين الـ ١٣، فإيه بقى الإضافة اللي هتوصلي لما اسمع حد بيقرالي؟

زائد اني من الجيل اللي اتربى على محطات الإذاعة وبرامجها ومسلسلاتها، فكل حاجة صوتية عندي مرتبطة بأن في قصة في الموضوع، في دراما وناس بتتكلم وتاخد وتدي في وداني، حدوتة بتتحكي، أو موعظة أو حتى ناس بتغني وترد على بعض. يعني في بتاع 70-75% تركيز مع الحفلة اللي ملهاش صاحب دي. بينما الكتب الصوتية هي مجرد فرد واحد يتيم ماسك مايك وعمال يطلع بالتون وينزل بالنوتة عشان يحسسك بالأجواء ويدخلك في رتم الكتاب/الرواية وأنت لا حول ولا قوة مش عارف هو عايز منك ايه بالضبط، ووشك واخد ملامح "المر بزيادة" المزبهلة وهو واقف مع "العربي سيطرة" بيتفرجوا على أحمد آدم وهو بيرقص ببرنص الحمام 😂

المهم أني ترددت شوية افتح الفيديو ولا اشوف انا بعمل ايه، وبعدين قولت ما تيجي نبص على محتوى القناة نفسها اللي منزله الفيديو ده. وهنا كانت المفاجأة الكبرى. 

************
فِي  فاي  فُو  فَامْ
************ 

قبل ما اقولكم أنا لقيت ايه على قناة أوديوهات، الأول لازم تعرفوا أن الجيل اللي بتكلم عنه ده هو جيل الثمانينات، وللي ما يعرفش مدى ارتباط الجيل ده والجيل اللاحق بالراديو خصوصا إذاعة البرنامج العام، أو محطة مصر زي ما أهالينا كانوا بيطلقوا عليها، معرفش دي حالة فردية ولا كل الأهالي كانوا بيقولوا عليها كده، المهم يعني أن اللي مسمعش الإذاعة فهو ميعرفش يعني ايه راديو ولا متعة انك تفضل قاعد جمب الاختراع العجيب ده ساعة عصاري ولا في سهرة ويك اند، أو حتى مشغله وانت بتذاكر او شارد الذهن وسايبه يحكي ويقدملك كنوزه بمنتهى السلاسة. متعة رهيبة لا يمكن وصفها بجد.

متعة أنك تحول الأصوات اللي بتسمعها لصورة في خيالك، صورة ملونة فيها ناس بتتحرك وتجري وتتفاعل مع بعضها وأنت ممد على شيزلونج في آخر حتى في دماغك بتتفرج وتسقف.

حياة الجيل ده كانت مرتبطة بالبرامج والمسلسلات. زي طريق السلامة، كلمتين وبس، غنوة وحدوتة، ساعة لقلبك، كتاب عربي علم العالم، على الناصية، همسة عتاب، قال الفيلسوف، قل ولا تقل، من أمثال العرب، قطوف الأدب من كلام العرب، مسرح المنوعات. أغرب القضايا، الف ليلة وليلة، من الحياة، أحسن القصص، خالتي بمبة، حواديت شعبية، من أرشيف المحاكم، من حكايات الشعوب. ده غير الصور الغنائية والبرامج الرمضانية والسهرات وحاجة آخر مُلك وجمال.

لكن للأسف مفيش حاجة بتفضل على حالها والحياة مسيرها إلى زوال. برامج ومسلسلات الإذاعة المميزة اندثرت مع الوقت، ومبقاش فاضل غير تراث بيتم رفع أغلبه دلوقت على يوتيوب. بينما الجديد محاولات استنساخ رديئة غير موفقة، ومؤذية للسمع والمخ.

عشان كده لما دخلت قناة أوديوهات فوجئت بالموجود، لأني تخيلت ان هيبقى في شوية فيديوهات عبثية ملهاش علاقة ببعض. أو محاولات بدائية لإنتاج دراما صوتية، لكن اللي ظهر قدامي هو قناة متخصصة في إنتاج الدراما الإذاعية اللي انا شخصيا مفتقدها، لا وإيه. دراما إذاعية من قلب روايات مصرية للجيب. 

************
فِي  فاي  فُو  فَامْ
************ 

تخيل أن كل الذكريات اللي عشناها مع سلاسل روايات مصرية للجيب على تنوعها في سنوات الطفولة والمراهقة والشباب، بقت لحم ودم. خرجت من بين الصفحات الورق والأغلفة الملونة وبقت دراما إذاعية مسموعة بأداء صوتي محترم، موسيقى تصويرية، وإخراج لا غبار عليه. تخيل أن رفعت إسماعيل بقى له بصمة صوتية مميزة تقدر تعرفها من أول ما ينطق، وأن رفاق رحلته على مدى 82 عدد قدمتهم السلسلة بقى سهل تميز أصواتهم بمجرد سماعها.

ومش بس رفعت إسماعيل. عبير عبد الرحمن "فانتازيا"، وفارس الأندلس، وأبطال فلاش، وغيرهم من أبطال السلاسل اللي كلنا ارتبطنا بيها وحبناها.

لما شوفت القناة أول مرة مكنتش أعرف أن أوديوهات مليانة كنوز، سمعت كل حلقات ما وراء الطبيعة الموجودة، ولفت نظري كمان برنامج بعد منتصف الليل اللي قدمه د. أحمد الله يرحمه في العددين 30 و70، الحلقات كانت حلوة بشكل رهيب. بس اللي اسعدني اكتر انهم استغلوا نجاح الفكرة وكملوا البرنامج بحلقات جديدة ومواسم تانية بالتعاون مع أ. شيرين هنائي، "الموسم السابع هينزل آخر الأسبوع ده على ما أظن"، وللأمانة التكملة حقيقي مثيرة وفيها حلقات شديدة الجمال. 

فضلت على فترات أتابع القناة، ونزلت التطبيق وفي كام يوم خلصت تقريباً كل الحلقات المجانية، وحسمت قراري بعدها واشتركت. عشان تيم أوديوهات يقدملي عوالم تانية مكنتش سمعت عنها ولا اعرفها. عالم "بوابات العارفين" لـ محمد رحمة، "شيطان لا بلاس" لـ حمزة فهد، "العداد" لـ فاطمة الزهراء بدوي، "مقتل فاروق الشرقاوي" لـ أغر الجمال، مغامرات "شيرلوك هولمز"،  والعزيزة جدا أوي على الآخر "جنايات" لـ د. رحاب فكري.

اتعلقت بأصوات تيم أوديوهات كله بلا استثناء، خاصة عمرو يسري، ومي علي، وباسم أمين، وشريف منصور، ومحمد صلاح، و حبيبي حبيبي جمال حداد ملك ملوك مذيعين الراديو تماً. 😁

أوديوهات في وقتنا الحالي، معرفش ده كان أسلوب متبع منهم من زمان ولا حاجة جديدة، بس هما بيقدموا دراما أسبوعية .. كل يوم خميس في حلقة جديدة من سلسلة أو كتاب ما بتنزل على التطبيق، عشان تقضي الويك اند باسعد وافضل شكل ممكن.

أوديوهات بالنسبة لي في الوقت الحالي هي الملاذ الأمن والمهرب اللي بلجأله لما الدنيا تكركب فوق دماغي وابقى عايز اختفي واستخبى في حاجة تنسيني القرف والهم اللي بنشوفهم كل يوم وكل ساعة .. فلو دي أول مرة تسمع فيها عنهم، اديك سمعت، وخليك عارف أن فايتك متعة ملهاش أول ولا آخر يا صديقي العزيز.

اسمع اوديوهات .. واستمتع بـ ترنيمة السعادة الأسبوعية معايا.

************

Fe fi fo fum
I smell the cheer of everyone
Lights go low, the stories run
Dreams take flight till night is done

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال