لم يتم العثور على أي نتائج

    عصر النخع

    عصر النخع

    حلوان الجديدة - العام 2251 - عصر النخع الرابع

    تحلق مندوبي الصحف ومراسلي وكالات الأنباء العالمية في دائرة شديدة الضيق حول المسئول رفيع المستوي الذي ظهر في قلب قاعة المؤتمرات الدولية بعد موعده بنحو ثلاث ساعات وشرع في الحديث فورا دون أن يُكلف نفسه عناء الأعتذار "للحلاليف اللي ملطوعين مستنيين طلته البهية"، وهم يمنون أنفسهم بالحصول على سبق صحفي مدوي كما قيل لهم، ربما يهون عناء الأنتظار وسوء المعاملة وحرارة الجو غير الطبيعية التي تخطت الخمسين خاصة مع انقطاع الكهرباء بشكل متكرر لأكثر من ساعتين من ساعات الأنتظار الثلاث.

    تنحنح الرجل الخطير القصير المكير المهيب الشديد وهو يعدل رباط عنقه، ثم خفض ناظريه في خطورة، قبل أن يبتسم في بلاهة محملقا في سقف المكان "أحنا بنغير خريطة الدوووووووونيا كلها يا جماعه .. صحيح"!

    وأمام عشرات الشاشات الهولوجرامية، تابع ملايين المصريين كلمات المسئول المتتابعة بفيض هائل من الحماس والشعور بالفخر والوطنية، وهو يعلن أمام العالم أجمع كشف هائل غير مسبوق سيغير مجرى الأحداث في المنطقة باسرها، وسيكون سببا مباشرا "بحسب كلامه" في تدفق ملايين الملايين من الدولارات إلى خزانة الدولة شهريا.

    قال المسئول: "أحنا النهاردة بنقدم هدية كبيرة جدا للعالم كله .. آه والله .. هدية كفيلة بأنها تغير خريطة السياحة في المنطقة وتجذب رؤوس أموال واستشمارات بالمليارات"

    وتابع: "وأنا بدعو كل رؤساء وملوك ومسئولي العالم للأحتفال معانا بافتتاح أول محمية طبيعية للدب القطبي في صحراء مصر الغربية"!

    ومع اخر حروف نطقها المسئول عم الصمت المكان وتبادل الحضور نظرات من عدم الفهم والبلاهة، ثم أندلعت دون مقدمات عاصفة من الأسئلة والأستفسارات عن الداعي لإقامة مثل هذه المحمية وكيف ستستغل مصر هذا المشروع الغريب غير المسبوق في المنطقة باسرها، وما هي الوسائل والطرق التي ستتخذها للمحافظة على حياة الدببه القطبية والعائدات المتوقعة سياحيا خاصة وأن الأجواء في مصر لا تتناسب أبدا مع طبيعة الحياة التي اعتادت عليها هذه المخلوقات في المناطق المتجمدة من العالم كالقطب الشمالي وروسيا، وطرق الحماية التي سيتم اتباعها لتأمين المحمية من المتربصين الراغبين في خراب البلد وتدميرها وترويع شعبها.

    اتسعت ابتسامة المسئول، وعاد يحملق في سقف المكان وقد عقد راحتى يديه على شكل حمامة أمام صدره "راجع مسلسل إبراهيم الطاير لمزيد من التفاصيل" مجيبا في هدوء: "احنا نقدر نحمي بلدنا كويس من الخونة والعملاء .. والدُب القطبي من النهاردة واحد من العيلة المصرية هنحميه بعنينا وهنشتريله الثلج اللي يشاور عليه .. كلنا هنشتغل عشان هو يرتاح .. كلنا هنشقى ونعرق من النهاردة .. من دلوقت عشان هو يعيش .. وعشان بلدنا تعيش"

    انفجرت الأكف بالتصفيق والأعين بالدموع، فيما تعالت هتافات "الله اكبر .. تحيا مصر" من حناجر آلاف المواطنين الذين يتابعون المؤتمر الصحفي عبر شاشات عملاقة خُصصت لنقل الحدث في قلب الميادين العامة، قبل ان يبدأ بث أغنيات بشرة خير وعملوها الرجالة، وتسلم الآيادي ليعم الرقص وتسود الأفراح ويموت الحاقدين بغيظهم وتتسع عيون العالم انبهارا .. وانحسارا .. وحسرة !

    إرسال تعليق

    أحدث أقدم

    نموذج الاتصال