الحكمة أو المثل الشعبي بيقول أن الطيبين والخيرين هما بس اللي بيموتوا، وبيفضل لنا ولوُد الوزة عشان ينكدوا علينا وعلى اللي خلفونا ويخلوا أيامنا سووووووووودة!
الحكاية الثانية - الذي عاد!
كما هو الحال منذ ملايين السنين، بدا كل شيء هادئا منتظما عند الأطراف البعيدة لمجموعتنا الشمسية..
الكواكب تجري في مداراتها..
الأقمار تدور حول كواكبها..
الكويكبات والمذنبات والنيازك تجوب الفراغ السرمدي في إيقاع رتيب، ومنتظم، يعلن عن عظمة وحكمة الخالق (عزّ وجلّ) في كل ثانية تمضي..
ثم فجأة، ظهر ذلك الجسم من بعيد..
جسم لامع، متألق، اخترق المجرة كلها في خط مستقيم، متفاديا في دقة مدهشة كل ما يمكن أن يعترض طريقه وهو يشق مساره نحو هدف بعينه..
هدف يحتل الموقع الثالث بعدا عن الشمس في منظومتنا الشمسية..
نحو كوكب الأرض مباشرة!
*************
قبل هذا الحدث بأسبوع كامل، خيم وجوم رهيب على تلك القاعة التي تضم خيرة علماء وباحثي (مصر) في القرن الخامس والعشرين، من العاملين في إدارة الأبحاث التابعة للمخابرات العلمية، وجميعهم يراقبون تلك الشاشة الهولوجرامية الكبيرة التي تنقل بث مباشرا عبر الزمكان لبرنامج (ممكن) مع خيري رمضان والذي بدوره ينقل بزاوية شبه حادة مشاهد مختلفة للمتظاهرين الفرحين في ميادين المحروسة، حيث تتصاعد الهتافات وترفرف الأعلام وتتزايد مساحات الرقص على أنغام (تسلم الآيادي)، وكأن طاقة الغلّ التي احتبست في النفوس لثلاث سنوات كاملة منذ أندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وجدت أخيرا المتنفس لتنفجر وسط الجموع المحتشدة المهللة، بينما تعلو نبرة الحماس في كلمات (خيري) المتلعثمة عن انتصار الديمُقراطية، وقهر المصريين للأرهاب!.
وفي توتر شديد غمغم الدكتور (جلال) رئيس مركز الأبحاث العلمية وهو يراقب ما يحدث:
- لو استمر الحال على كده مش بعيد نصحى الصبح منلاقيناش وتتحول البلد كلها لشارع هرم كبير!
غمغم مساعده في ضيق واضح، بينما يستقبل (خيري) اتصال هاتفي من سيدة لا تكف عن الصياح وإطلاق الزغاريد:
- حررتك ده جزء من اللي بيحصل، لو حولنا على عمرو أو مراته ممكن ترجع!.
إزداد انعقاد حاجبي الدكتور (جلال) وشرد ببصره قبل أن يهتف بمساعده:
- كده مفيش قدامنا غيره، يكش ما يتمرعش علينا هو وشلته زي كل مرة!
قالها فاندفع مساعده على الفور لتنفيذ الأمر، واستدعاء الفريق الوحيد القادر على إعادة الأمور لنصابها الصحيح وإنقاذ المحروسة من ماضي مظلم ومستقبل ممنوش رجى.. فريق المقدم (نور الدين محمود).
*************
انتهت كريستيان آمانبور مراسلة شبكة "إيه بى سى" الأمريكية من لقائها مع نائب الرئيس المصري اللواء سليمان بالقصر الرئاسي في الأيام الأولى من شهر فبراير للعام 2011، فتبادلت التحية مع الأخير قبل أن تنصرف وطاقم العاملين معها، فيما اتجه الأخير إلى حجرة مكتبه وهو يغمغم في ضيق:
- آل ديموقراطي آل.. يا شيخة بلا هم
عبر الباب إلى داخل الغرفة، واستدار ليغلقه حين تناهى إلى سمعه المدرب على التقاط اضعف الأصوات وأدقها وقع خطوات سريعه خلفه، فانحنى وانثنى واعتدل باقصى سرعة سمحت بها سنوات عمره التي تجاوزت السبعين ملتفتا في حركة اكروباتية إلى الأشباح الخمسة الذين وكأنهم قد ظهروا من العدم داخل فراغ الحجرة، فجحظت عيناه وتراجع ملتصقا بالباب وقد احتشدت حبات العرق البارد على جبينه، فيما يقترب أحدهم من موضعه مرددا في هدوء:
- ريح يا سيادة اللواء.. أحنا جايين نساعد مش نأذي!.
*************
بعد نحو عامين على وفاته إثر معاناة مفاجئة من اضطرابات في القلب كما أعلنت الأجهزة الرسمية للدولة، ونتيجة لتواجده فيما سُمي باجتماع خلية الأزمة في التفجير الذي استهدف مبنى الأمن الوطني السوري كما أكدت عدة مصادر بعضها من قلب سوريا، أنطلقت بغتة ودون أي مبرر دعوات من محبي اللواء الراحل على مواقع التواصل الأجتماعي المختلفة فيس بوك وتويتر مع مساندة من قناة الفراعين تطالبه بالظهور، وتدعو له بدوام الصحة والتوفيق!.
ومن حجرة مظلمة في فندق متواضع يُطل على ميدان التحرير، التفت (نور) إلى زوجته (سلوى) وابنته (نشوى) وقد انهمكتا في فعص أزرار اللابتوبات الخاصة بهما في حنكة ومهارة وسرعة فائقة:
- إيه الأخبار؟
أجابته (نشوى) دون أن ترفع عينيها عن شاشة اللاب:
- أنا عملت خمس صفح و14 ايفينت، وتقريبا ماما ضربت حوالي 200 الف اكونت!
غمغم (رمزي) من موضعه الغارق في الظلام:
- متأكدين أن محدش هيقدر يوصل لمصادر الصفحات والأكونتات دي
اجابته (سلوى) على الفور:
- عيب عليك.. أحنا مش تلاميذ
سرت شبح ابتسامة على شفتي (نور) وهو يستند إلى حافة النافذة المتهالكة:
- كده قشطات.. فاضل بس أنهم يخلصوا الدستور ويفتحوا باب الترشيح
هز (أكرم) كتفيه، وقد انهمك في تنظيف مقروطة حصل عليها من أحد الصبية بالغصب في واحدة من اشتباكات المواطنين الشرفاء مع المتظاهرين وأجهزة الأمن:
- أنا بالونسبالي بيس.. الزمن ده أروش جدي!
*************
"من يستطع أن يُخرج على المصريين بإجابة قاطعة حول المصير الحقيقي للواء سليمان، نائب رئيس الجمهورية الراحل والرئيس الأسبق لجهاز المخابرات العامة المصرية؟"
انتهى مراسل (هنا العاصمة) من رسالته، فالتفتت (لميس الحديدي) إلى ضيفها الأسمر صاحب الغزوات والأنفرادات الصحفية التي يصعُب على المواطن العادي أستيعاب أبعادها والكيفية التي حصل بها على كل تلك التفاصيل، وقد وضع راحتي يديه في وضع هرمي أمام فمه:
- محدش يقدر يجاوب على السؤال ده غير سيادة اللواء الله يرحمه ويديله الصحة!
في الوقت نفسه، وعبر طرقات القاهرة المظلمة وأزقتها السرية، كان فريق المقدم (نور) يضع اللمسات الأخيرة في خطة إنقاذ المحروسة من الأنحراف والمشي البطال، عبر مخطط طويل المدى بدأ مع الساعات الأخيرة لنظام الرئيس مبارك واستمر لثلاث سنوات كاملة، أشرفوا خلاله على حماية صندوق أسرار النظام (اللواء سليمان) والتحفظ عليه في مكان سري، ثم إشاعة وفاته تمهيدا لإعادته في التوقيت المناسب، بخلاف عمليات الخداع الأستراتيجي لإعادة الأمن والأنضباط إلى الشارع عبر مخططات اللهو الخفي والقلة المندسة.
ثلاثة أعوام من العمل الشاق والدؤوب أنتهت بتتويج (اللواء سليمان) كرئيس منتخب، يستمد قوته من ملايين المحبين الذي أقتنعوا بأن في عودته سر انقاذ المحروسة.
وإذ يستعد الفريق للعودة إلى المستقبل بعد كل تلك السنوات، يبتسم (اللواء سليمان) أبتسامة خبيثة سرعان ما تختفي وهو يودعهم فردا فردا شاكرا حسن تعاونهم معه وتفانيهم الكامل في تنفيذ أفكاره لإنقاذ المصريين من الخونة والمرتزقة والممولين، ثم تنطلق بغتة في المكان أصوات أسلحة أتوماتيكية سريعة فيسقط (نور) ورفاقه صرعى مدرجين في دمائهم:
- حبايب قلبي.. معلش بقى هي الحياة كدزه يوم ليك ويوم عليك
قالها فعادت تلك الأبتسامة الساخرة تملأ وجهه الشيطاني القادم من قلب المستقبل ليسيطر على العالم.. وجه الشيطان (فريدرك هدرشتاين) أو الدكتور (خالد رضوان)!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق