زكاة الفطر

شُرعت زكاة الفِطر في السنة الثانية من الهجرة، وحكمة مشروعيتها أنها طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، وهي تجب على من صام رمضان ومن أفطره لعذر أو لغير عذر، ومقدار هذه الزكاة صاع من غالب قوت البلد، ورأي الجمهور أنها تخرج صاعاً من أي قوت لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فلم نزل كذلك حتى قَدِم معاويةُ المدينةَ، فقال: إني لأرى مُدَّيْن من سمراء الشام يَعدِل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فلا أزال أُخرِجُه كما كنتُ أخرجه"، والصاع قدره جماعة من العلماء أنه أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين.

وقد أجاز جماعة من فقهاء الحنفية إخراج القيمة في صدقة الفطر، والقيمة تختلف على اختلاف الصنف الذي يريد المزكي أن يخرجها منه، فعلى سبيل المثال من الناس من يريد إخراجها من القمح فعليه أن يحسب قيمة الزكاة على ثمن كيلوين من القمح فإن كان أربعة جنيهات مثلا، تكون القيمة المعينة في حقه هي الأربعة جنيهات عن كل فرد.

وهناك من يريد أن يخرجها من الزبيب فعليه أن يحسب قيمة الزكاة على ثمن 1.5 كجم من الزبيب وسعره مثلا 18 جنيهًا، فتكون القيمة المعينة في حقه حينئذ هي 18 جنيهًا مصريًّا، وهكذا.

أما القول بأن هناك قيمة ثابتة لزكاة الفطر ففيه ظلم كبير للفقير، فالشرع قد جعل هذه الأصناف متفاوتة لكي يخرج كل شخص الشيء الذي يناسبه فالذي يناسب الأغنياء والصفوة أن يخرجوا الزكاة من الزبيب، وأصحاب الدخول المعقولة يختارون الفاصوليا أو اللوبيا، والفقير يختار أن يخرجها من القمح، وهكذا.

وزكاة الفطر واجبة على كل حُر مسلم قادر، يملك النصاب الفاضل عن حاجته الأصلية.

وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يخطب قبل يوم عيد الفطر، ويأمر بإخراج زكاة الفطر.

ففي الحديث الصحيح عن عبد بن ثعلبة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، فقال: "أدوا صاعا من بُر أو قمح، أو صاعا من تمر أو شعير، عن كل حُر أو عبد، صغير أو كبير".

بعض الأئمة يقول: إن زكاة الفطر لا تجب إلا إذا كان المسلم عنده ما يَفضُل ويزيد على قُوتِه وقُوتِ عياله يوم العيد وليلته، بعد ما يحتاج إليه من مسكن ودابة وثياب وكُتُب عِلْم، وكل ما جرَتِ العادة بالحاجة إليه.

فإذا كان المسلم غير مالك شيئا زائدَا على نَفَقَتِه ونفقة عياله عند وقت وجوب الزكاة، وهو من طلوع فجر عيد الفطر أول شهر شوال فإنه لا يكون مُكلفا بدَفْع هذه الزكاة.

والقرآن الكريم يقول: "لاَ يُكَلفُ اللهُ نَفْسا إِلا وُسْعَهَا" ( البقرة:286).

ويرى جمهور الفقهاء أن تأخير زكاة الفطر عن صلاة العيد مكروهه، لأن المقصود الأول منها إغناء الفقير عن السؤال والطلب في هذا اليوم، فمتى أخرها فات جزء من اليوم دون أن يتحقق هذا الإغناء.

ويرى ابن حزم أن وقتها ينتهي بابيضاض الشمس وحلول وقت صلاة العيد فالتأخير عنه حرام.

قال: "من لم يؤدها حتى خرج وقتها، فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له، فهي دين، وحق من حقوقهم قد وجب إخراجها من ماله، وحرم عليه إمساكها، فوجب عليه أداؤها، ويسقط بذلك حقهم ويبقى حق الله في تضييعه الوقت، لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة".

ومال الشوكاني إلى أن إخراجها قبل الصلاة واجب لحديث ابن عباس: "فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".

ومعنى أنها صدقة أي ليس لها الثواب الخاص لزكاة الفطر بوصفها قربة لها وقت معلوم.

وأما تأخيرها عن يوم العيد، فقيل: إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة واجبة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها.