المجنون!!

مر مجنون على عابد يناجي ربه وهو يبكي والدموع منهمرة على خديه:
ربي لا تدخلني النار، فارحمني وأرفق بي يا رحيم يا رحمن، لا تعذبني بالنار إني ضعيف فلا قوة لي على تحمل النار، فارحمني، وجلدي رقيق لا يستطيع تحمل حرارة النار، فارحمني، وعظمي دقيق لا يقوى على شدة النار، فارحمني

ضحك المجنون بصوت مرتفع، فالتفت إليه العابد قائلاً:
ماذا يضحكك أيها المجنون؟؟

قال: كلامك أضحكني

فردَّ العابد: وماذا يضحكك فيه ؟

قال المجنون: لأنك تبكي خوفًا من النار

رد العابد: وأنت ألا تخاف النار؟؟

قال المجنون: لا، لا أخاف من النار

ضحك العابد وقال: صحيح أنك مجنون

أبتسم المجنون مقتربا من العابد: كيف تخاف من النار أيها العابد وعندك رب رحيم، رحمته وسعت كل شيء؟

تجمد العابد في موضعه، وكأنه يرى المجنون للمرة الأولى: إن عليَّ ذنوبًا لو يؤاخذني الله بعدله لأدخلني النار، وإني أبكي كي يرحمني ويغفر لي ولا يحاسبني بعدله بل بفضله ولطفه، ورحمته

عاد المجنون للضحك بصوت أعلى من المرة السابقة، فأنزعج العابد وقال: ما يضحكك ثانية؟؟

قال: أيها العابد عندك ربٌّ عادلٌ لا يجور وتخاف عدله؟، عندك ربٌّ غفورٌ رحيمٌ تواب، وتخاف ناره؟؟

قال العابد: ألا تخاف من الله أيها المجنون؟؟

قال المجنون: بلى إني أخاف الله ولكن خوفي ليس من ناره

تعجب العابد وسئل المجنون: فمِمَّ خوفك إذن؟

قال المجنون: إني أخاف من مواجهة ربي وسؤاله لي، لماذا يا عبدي عصيتني؟؟، فإن كنت من أهل النار فأتمنى أن يدخلني النار من غير أن يسألني، فعذاب النار أهون عندي من سؤاله سبحانه، فأنا لا أستطيع أن أنظر إليه بعين خائنة، وأجيبه بلسان كاذب.

وإن كان دخولي النار يرضي حبيبي فلا بأس

تعجب العابد بينما يواصل المجنون حديثه: أيها العابد سأقول لك سرًّا، فلا تذِعه لأحد

قال العابد: هات ما عندك أيها المجنون العاقل؟

ردَّ المجنون: إن ربي لن يدخلني النار أتدري لماذا؟؟

قال العابد: لماذا؟

ردَّ المجنون: لأني عبدته حبًّا وشوقًا، وأنت يا عابد عبدته خوفًا وطمعًا، وظني به أفضل من ظنك، ورجائي منه أفضلُ من رجائك، فموسى عليه السلام ذهب لإحضار جذوة من النار ليتدفأ بها فرجع بالنبوة، فكُن أيها العابد لما لا ترجو أفضل مما ترجو.