ادرت مفتاح الغرفة بمنتهى الهدوء، وها أنا اقبع جوار النافذة في إنتظاره
الوقت يمضي كالدهر، لكننى تعلمت أن الصبر هو منبع المهارة فى عملي هذا
القيت نظرة أخيرة على ساعة يدي، أمامي خمس دقائق على أقصى تقدير، لقد حان الوقت إذاً
<><><><><>
الخامسة والنصف صباحا
أنتهيت لتوى من اداء صلاة الفجر، ووقفت أتامل رحلة الشروق اليومية عبر زجاج نافذتي
متى تكف هذه الطيور عن الزقزقة ؟، ثم ما الذي يدعوها لهذا الأستيقاظ المبكر ..؟؟
تنهدت فى عمق وسحبت أكبر كمية من هواء الصباح النقي لأنعش ذهني المكدود
أعددت كوبًا من الشاي الدافىء، وجلست امام شاشة جهازي النقال اطُالع بريدي الأليكتروني
الدقائق تمر مسرعة، وأخيرًا ها أنا داخل صندوق البريد، عشرة رسائل جديدة نصفها من عنواين مجهولة لا هدف له إلا الإزعاج، بالطبع لن أغامر بفتح اىٍ منها، فالمعتاد لو لم تصبك بالملل فهي تحمل فيروسًا خطيرًا ينشط بمجرد فتح الرسالة
الرسائل الخمس المتبقية ثلاث منها يحمل عنوان صديقي المزعج (ديغو)، لا ادري حقاً من أين يأتي بوقت لكتابة كل هذه الرسائل، فهي غالبًا لا تحتوي إلا صورًا سخيفة أو لعبة جديدة يعتقد الأحمق أنها الأروع منذ أمتلك حاسبا شخصيا
لم يبق إلا رسالتين كلاهما تحمل ذات العنوان، الأولى لم أجد بها إلا عبارةٍ واحدة (((نفذ)))، والثانية تحوي ملفًا، وبضغطة زر بدأ الجهاز في تحميله الملف ليُمكنني من تصفح محتوياته
يال البطء، لابد وأن هذا الملف يحتوي كمًا لابأس به من الصور، هي وحدها تبطء التحميل إلى هذه الدرحة المملة
نهضت متكاسلاً لإعداد كوبًا جديدًا من الشاي الدافىء، لعله يدفع عني النعاس الذي يهاجم جفوني بمنتهى القصوة، وعدت لأجد التحميل قد أنتهى
زفرت في ضيق، وأغلقت أيقونة الأتصال بشبكة الأنترنت، ثم بدأت في مطالعة محتويات الملف..
كما توقعت، كان يحتوي عشرة صور
ولدقائق خمس تجمدت فى مكاني غير مستوعب، وعيناى تحدقان في شاشة الجهاز بمنتهى الحيرة
لماذا يريدون إنهاء حياة تلك العجوز .؟، إن بينها وبين القبر لمسافة أيام
<><><><><>
شهيق ... زفير
هذه هى اللحظات الحاسمة، ابتسامة ساخرة تتسلل إلى ركن شفتي، وأنا أراقب الطريق من خلف أستار النافذة
الوقت يمضي في سرعة، وموعد التنفيذ يقترب أسرع
القيت نظرة أخيرة على الطريق، وجلست على طرف الفراش أعد أدواتي، بكل ثقة
<><><><><>
جلست مسترخيًا فوق الأريكة الكبيرة في منتصف ردهة المنزل، واضعًا ساقاً فوق الأخرى، وممدًا الأثنين فوق المنضدة القريبة، وأنا أتابع إحدى الحلقات الكرتونية
أنا ديبو ... ديبو البطل ... سيفى البطار ... يـ
آه، كم أحب هذا الثعلب اللئيم، على الرغم من المصاعب والمقالب التى يتعرض لها دائمًا وابدًا ولكننى أعشقه، حتى لقد أخترت أسمه ليكون لى فى فضاء النت، و.........
دون أن أدري أنطلق عقلي سابحًا في لُجة من الأفكار المتضاربة
هل يمكنني قتل تلك العجوز بالفعل ..؟، لقد توصلت إلى كل المعلومات اللازمة بشأنها
ولكن ...
نهضت مغادرًا الأريكة، متجولاً في أرجاء الردهة
أن ملامحها الطيبة، وشعرها الفضي اللامع يذكرني بأمي، رحمها الله، كانت تبغي أن أصبح طبيبًا (ملاك رحمة)، وها أنا قد صرت شيطانا قابضًا للأرواح
هززت رأسي، وكانما أنفض عن ذهني تلك الأفكار الموحشة وأتجهت فى خطوات متثاقلة نحو شرفة المنزل
أنها السادسة مساءً ينبغي أن تنتهي أيام تلك العجوز غدًا في مثل هذا الوقت، وأي تأخير لا معنى له إلا العصيان
وجزاء العصيان في مهنتى الملعونة هذه هو الموت
لكن ما ذنب العجوز المسكينة، ألانها تدافع عن حقها وأملاكها؟
عموما ليس هذا من شأني، الأفضل أن أركز تفكيرى فيما سافعل غدًا
<><><><><>
عرق غزير بارد، يتصبب عن جبينى
عجبًا، ليست هذه مهمتى الأولى لأشعر بكل هذا التوتر، والخوف
أمسكت منديلاً ورقيًا أجفف به عرقى، وعيناى لاتفارقان الطريق، راكب الدراجة يبدو على مرمى البصر
تنهدت، والقيت بمشاعر الخوف والتوتر خلف ظهري، ثم اسندت طرف بندقيتي إلى كتفي
أغلقت عيني اليمنى، ودفعت باليسرى نحو عدسة البندقية المقربة
لحظات وتعتصر سبابتي زناد البندقية
<><><><><>
الثالثة فجرًا
تسللت كلص محترف إلى أسوار منزل السيدة العجوز
رائحة النجيل الأخضر تخترق أنفي، فأكاد الُقي بنفسي أرضًا، لأنعم وحدي بهذا العطر الخلاب
تجاوزت الحديقة المظلمة بخطوات أقرب للعدو، وسرعان ما أستجاب لي رتاج المنزل القديم
وقفت متنهدًا وسط ردهة الفيلا الصغيرة، مستجمعًا شتات نفسى
فيلا قديمة حقاً، أثاث يرجع إلى سنوات وسنوات، لكنه يحمل ذوقاً رفيعًا، وإحساسًا مرهفاً
ارتقيت الدرج بخطوات هادئة، وقلبُ ُ فزع يصُرخ مطالبًا الأنسحاب
الطابق العلوي يضم غرفتين، تحوي الأولى مكتبة هائلة لم أتصور للحظة أن أرى مثلها في حياتي، والثانية رقدت في منتصفها على فراشٍ وثير، ضحيتي القادمة
تجمدت متأملاً إياها كطفلٍ خائف يُريد أن يُلقى بنفسه بين أحضان والدته النائمة، لكنه يخشى إيقاظها ويكتفي بتأمل ملامحها ليستمد منها الأمان
لم أدر كيف مر الوقت ..؟، ولا كم مر من الوقت ..؟، وأنا أقف كتمثال من الصخر بلا قلبٍ أو مشاعر
وافقت لأجد خيوط الصباح قد أنتصرت في معركتها المحسومة مع ظُلمة الليل فتهالكت على أقرب مقعد، ومددت يدي أشعل سيجارة، لأبدد توترى مع زفيرها المنفر
• هل أسترحت الآن يا ولدى .؟، هل زال عنك توترك .؟
التفت منزعجًا إلى العجوز التى نهضت من فراشها، وجلست هادئة على طرفه تتأملني من خلف زجاج عويناتها اللامعه
يال غبائي، لقد جلست أتامل الشروق عبر شرفة الحجرة، موليًا ظهري لفراش العجوز
تماسكت سريعًا، وأخرجت مسدسًا صغيرًا، كأننى أنشد عونه وأستمد منه الأمان:
• لا داعى لأى خطوة غير مسئولة قد تودى بحياتك سيدتي
ابتسمت العجوز وأشارت لى كى أعاود الجلوس:
• أهدىء يا بنى، ولا داعي للتوتر، هم أرسلوك إلى هنا، اليس كذلك ..؟
• هم، ومن هم ..؟
• من إستاجروك لقتلى، الم تأتي لهذا السبب .؟
تراخت يدي الممسكة بالمسدس إلى جوارى وأنا أتطلع إلى عيني العجوز:
• هل تعلمين من هم ..؟
تنهدت العجوز، فخرج زفيرها وكأنه لفح الحمم، ومدت يدها تمسح قطرات من دموع، أنسابت فى صمت من مقلتيها:
• أقاربي، أشقائي، و..... لا داعي لهذا، هيا يا ولدى أننى راضية بما قسمه الله
أرتجفت أوصالي وأنا أتابع حديث السيدة العجوز، يال هذا الزمن، فيمن سنثق بعد الأقارب والأشقاء
على إية حال هذا ليس شأنى ابدًا فليس للمشاعر مكان في مهنتي، هذا إن كان من هم على شاكلتي لديهم مشاعر من الأصل
لقد أصبحت مجرد آلة، ولو شئنا الدقة، مجرد ترس في آلة عملاقة لم يعد من سبيلٍ لأيقافها
<><><><><>
لم أدر كيف تخللت ذكرى تلك العجوز إلى رأسى وأنا أستعد لحصد روحٍ جديدة
مشاهد متداخلة، وذكريات مؤلمة، وأرباح من الشيطان وعمل الأبالسة
لكن أوان التراجع لم يعد مسموحًا
راكب الدراجة يقترب، الآن صار في مرمى طلقاتي وسبابتي تستعد لإعتصار الزناد بمنتهى القسوة
ومنتهى الإحباط .
تمت
