كيف نستقبل شهر رمضان؟

أيام قليلة ونستقبل شهر رمضان الكريم، الذي يأتينا زائرا خجولا مرة كل عام، ويأبى أن يُطيل بقاءه كلما أنسنا رفقته، فاحرص على استقبال هذا الضيف الكريم بطريقة سليمة، لتغتنم الحسنات العظام التي يوزعها المولى عز وجل على عباده الطائعين.

وعلى المسلم ألا يفرط في مواسم الطاعات, وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، فقد كان صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستعدون لرمضان قبل مجيئه بستة أشهر!!.

يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين، الآية: 26)

لكننا للأسف أصبحنا في كل عام أسوء مما سبقه، نضع الآمال أن نفعل ونفعل، وفي النهاية يصير كل شيء إلى لا شيء، فكم من عام قررنا أن نختم كتاب الله في رمضان؟، كم منا قرر؟، وكم منا نفذ ما قرره؟، كل عام يغادرنا القطار دون أن نلحق به.

ولأننا نرغب بشدة هذا العام في أن نلحق بقطار الشهر الكريم الذي يأتي مسرعا وبغادرنا بذات السرعة، فأننا نعتزم بعون الله ألا نكرر أخطاء السنوات السابقة، ونجتهد ما أستطعنا لأستقبال هذا الضيف الكريم خير استقبال بالخطوات البسيطة التالية:

- الدعاء بأن يبلغنا الله شهر رمضان في صحة وعافية, حتى ننشط في عبادة الله تعالى, من صيام وقيام وذكر, فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان, ثم يدعونه أن يتقبله منهم).

- الحمد والشكر على بلوغه, فقد روى الإمام النووي رحمه الله أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة, أو اندفعت عنه نقمة أن يسجد شكراً لله, أو يثني بما هو أهله.

فمن أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة والعبادة، فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة نعمة عظيمة تستحق الشكر والثناء على الله, فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.

- الفرح والابتهاج فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول: (جاءكم شهر رمضان, شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم).

وقد كان السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يهتمون بشهر رمضان, ويفرحون بقدومه، ولما لا وهو شهر تتنزل فيه الرحمات وتفتح فيه أبواب الجنة لكل عاص ومستغفر.

- العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان, فالكثيرون من الناس وللأسف حتى الملتزمين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا, لكن قليلون هم من يخطط لأمور الآخرة, إما لعدم الإدراك بمهمة المؤمن في الحياة, أو نسيان أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه.

- عقد العزم الصادق على اغتنام وعمارة أوقات الشهر الكريم بالأعمال الصالحة, فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير, يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) (سورة محمد، الآية: 21).

- العلم والفقه بأحكام رمضان, فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، وينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه, ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى، يقول عز وجل: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة الأنبياء، الآية:7).

- أستقبال الشهر الكريم بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب, والإقلاع عنها وعدم العودة إليها, فهو شهر التوبة فمن لم يستغل هذا الشهر الكريم في التوبة والأستغفار فمتى يتوب؟، قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة النور، الآية: 31).

- التهيئة النفسية والروحية بالقراءة والاطلاع على الكتب الإسلامية, وسماع الأشرطة الدينية من محاضرات ودروس تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يهيء نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر, فيقول في آخر يوم من شعبان: (جاءكم شهر مبارك افترض عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم).

- فتح صفحة بيضاء مع الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة، ومع الرسول صلى الله عليه وسلم بأتباع سنته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه، ومع الوالدين والأقارب, والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة، ومع المجتمع حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً.

قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الناس أنفعهم للناس).

فاللهم بلغنا رمضان وتقبل صيامنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم.