مدونة حسام

أول مدونة مصرية وعربية تعتمد الألش أسلوب حياة!

Navigation-Menus (Do Not Edit Here!)

Hot

Post Top Ad

6 أكتوبر 2003

يوم في حياة نملة

أكتوبر 06, 2003 0
 بسِــم اَللـِه الَرحمَـِن الَرَحِـيمِ
وَحُشِرَ لِسُيلَمَن جُنُوُدُهُ مِنَ الجِنِ وَالإِنـسِ وَالـَّطيرِ فَهُم يُوزَعُونَ * حَتَّىَ إِذَا أَتوَا عَلىَ وَادِ النَمّلِ قَالَت نمَلَةٌ يَـأَيُهَا الَنملُ أَدخُلُوا مَسَكِنَـكُم لاَ َيحطِمنَكُم سُلَيمَنُ وَجُنُوُدُهُ وَهُم لاَ يَشعُرُونَ * فَـتَبَسَمَ ضَاحِكًا مِنَ قَولِـهَا وَقَاَل رَبِ أَوزِعنِى أَن أَشكُرَ نِعمَـتَكَ الَّتىِ أَنعَمتَ عَلَىَ وَعَلَىَ وَالِدَىَ وَأَن أَعمَلَ صَـلِحًا تَرضَهُ وَأَدخِلنِى بِرحَمتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَـلِحِينَ
صدق الَلـهِ العظيم (سورة النمل _ الآيات 17: 19)

العام الفين وواحد وسبعين بعد المائة الثانية ..
(كفر أبو طشت) بمحافظة الشرقية، الذى لم يتغير أسمه رغم سنوات التقدم وملامح التكنولوجيا المتناثرة .. الساقية القديمة المهجورة، والتى أصبحت أثر بعد محطات الرفع والتوليد .. نجوم السماء اللامعة .. أنسام الليل اللطيفة .. زراعات القصب العالية .. لهو الصغار .. وجحافل النمل الـ ......

آه .. هذا هو لُب الموضوع .. النمل ..

أتعرفون أن النمل يمثل نحو 20% من الكائنات الحية على كوكب الأرض .. وتبلغ أنواعه ما يقرب من 20 الف نوع تنتشر تقريبًا في كل مكان، فهناك النمل الحفار ساكن الأشجار .. وهناك نمل المحاصيل ساكن المزروعات، والنمل الخياط .

هناك نمل يقطن سهول القطب الشمالى، وهناك نمل يقطن خط الأستواء، والكثير والعديد من الأنواع التى لا يعلم عنها شيئًا إلا الله سبحانه وتعالى ..

كل مجموعة من النمل داخل المستعمرة _ مكان السكن _ تقوم بعمل محدد .. فالبعض يعمل في الفلاحة ورعاية الحدائق .. وهناك المهندسون وعمال البناء وعمال الحفر وبالطبع الشغالات وجليسات الأطفال .. بل أن هناك أعمالاً أكثر صعوبة وتعقيدًا مثل جمع الطعام للمستعمرة وجمع القمامة ودفن الموتى .. وفي النهاية هناك الجنود طبعًا .. وهؤلاء تقع عليهم مسئولية حماية وحراسة المستعمرة .

والنمل حشرة مزعجة، تجمع الطعام طوال الصيف بكل الطرق، مشروعة وغير مشروعة .. وهى الحشرة الوحيدة التى لم تُفلح معها كل جهود المكافحة والتطهير التى أخترعها البشر عبر مختلف الأزمان .. تتكاثر وتنمو بمعدلات هائلة .. فهناك نوع من النمل الأفريقى تبيض ملكته ما يقرب من 3 : 4  مليون بيضة شهريًا .

والنمل من أطول الحشرات عمرًا على الأرض .. فمثلاً .. في حين أن عمر الذباب قد لا يتعدى شهرين، فإن النمل يعيش من بضعة أشهر إلى سنوات .. وقد يصل عمر الملكة إلى عشرين عامًا .

والنمل في بحثه عن الطعام، مخلوق شره شرس إلى أقصى الحدود ..
نحن نتعامل مع النمل المنزلى الوديع بمنتهى الذعر .. فما العمل لو واجهت نوعًا كالنمل الصياد .. وهذا النوع يخرج في جماعات ملتصقة تتراوح بين 10 آلاف  إلى 500 الف نملة .. وهو يهاجم أي حيوان في طريقه .. فيقتل الثعابين والطيور وبعض الزواحف الأخرى، وقد يقتل حيوان أكبر حجمًا أثناء نومه كالحصان والبقر ..

المهم ..
هل هناك غرض محدد لوصلة المعلومات السابقة، هكذا تتسألون .. ؟ مش كده ..؟
طبعًا هناك فائدة، إن لم تكن كخلفية علمية للإحداث، فأعتبروها من باب العلم بالشىء .. ثم أنها معلومات مجانية .
هل طالبتكم بأى مقابل ..؟، صحيح خيرًا تعمل .........!!!!!!!

الآن نعود للسرد .. ماذا كنا نقول ..؟
تذكرت .. جحافل النمل ..

على مشارف زراعات القصب، توقف طابور طويل من النمل، نحو مائتي نملة تقريبًا ..
ورجاءً لا تسألونى كيف أحصيتهم ..؟!!!

•    كتيبة صفااااااااااااا
هذا هو (منعم)، قائد سلاح الفر.. أقصد قائد سلاح الحراس
مهيب هو (منعم) قوى الشخصية، صاحب أطول قرون أستشعار في المستعمرة كلها
لا يبدو متقدمًا في العمر، لنقل أنه لم يتجاوز عامه الثانى بعد، وهذا يعنى تميزه الشديد، وإلا لما أصبح قائدًا في مثل هذا العمر ..

أصلع .. أعتقد أن هذا شىء طبيعى فلا توجد _ حسب معلوماتى _ نملة بشعر ..
رياضى القوام، حاد النظرات وبالمناسبة هناك أعتقاد خاطىء بأن النمل لا يرى ويعتمد على قرون أستشعاره ..!!!!

•    المهمة النهاردة مش سهلة خالص ..
أنه الملل، سامحونى أولاً للمقاطعة، ولكن هذا الـ .. (منعم) يُصر دومًا على هذه المقدمة الغير مفيدة في بداية كل عملية، حقاًً لا أدرى لما نحن بارعون في الكلام فحسب، لما لاننفذ ونتحرك ثم نناقش ونتحاور ..
أظنها طباع لم يعد تغييرها ممكنًا، حتى فى النمل ....

•    وذى ما أنتوا عارفين، مفيش رحمة، اللى يقع نترحم عليه، مفيش وقت للعواطف، مصلحة الجماعة فوق كل أعتبار، أوكيييييية شباب ...
هل صدقتمونى الآن ..؟!، هل رأيتم من قبل نملة مهيبة إلى هذه الدرجة، يال الروعة ..
لم يكد (منعم) ينتهى من كلماته حتى أنتشر أفراد فرقته، كلٌ يعرف وجهته ومهمته، تنظيم تام وتناسق مدهش قلما يتوافر لدى بنى الأنسان ..

لحظات .. فمتوهات .. ثوانى .. دقائق مرت تلو الدقائق .. و (منعم) ينتظر .. مهيبًا حتى في وقفته، شامخًا قويًا، سبحان الله العلى القدير .. سبحان الله

العرق البارد  ينساب على جبينه _ مش عايز حد يقولى هوه فيه نملة بتعرق .. أعتبروه تجاوز درامى لخدمة العمل _ مُغشيًا عينيه .. صحيح أن النمل لم يتعلم القلق من بنى الأنسان .. ولكنهم يشعرون بالخطر .. والفارق كبير ..

نحن نقلق وتهزمنا المخاوف لأتفه الأسباب .. والنمل يحس الخطر ويسعى لتجنبه والتغلب عليه .. ولقد شعر (منعم) بالخطر لتأخر رجاله .. أنهم أفضل حراس المستعمرة .. أفضلهم على الأطلاق .. ولم تكن المهمة لتستغرق كل هذا الوقت أبدًا .. فماذا حدث ..

•    وبعدين بقى، العيال دى عوقت _ تأخرت _  ليه ..؟
مهيبًا حتى في قراراتك يا (منعم)، لم يستغرق أعوامًا ودهورًا في إتخاذ قرار لا مناص من أتخاذه، أنطلق لنجدة رجاله والأطمئنان عليهم، فياله من موقف، وياله من قرار يا صُناع القرار .

ماذا كانت المهمة ..؟، البحث عن طعام بالطبع، أهذا سؤال ..؟
المهم الآن، من أين يبدأ (منعم) البحث ..؟

صحيح أن تعليماته واضحة صريحة، ولكنه أبدًا لم يحدد مكان البحث، النمل لا يتقيد بموقع معين، النمل يبحث ويبحث دون كلل أو تعب، دون رغبة في إجازة غير مستحقة لتعطيل سير العمل،  النمل لا يطلب دمغات وإمضاء أثنين من الموظفين لا تقل رواتبهم عن عشرين دولار، أنهم فقط يعملون إلى أن يوفقوا فيما سعوا إليه .. هذا هو النمل ..

ولكن ما معنى هذا ..؟ هل فقد (منعم) رجاله ؟
هل فقدت المستعمرة حراسها .. هل و هل .. ومليون هل ..؟، فهل من إجابة .. هل ....؟

***********
أتفقنا أن لكل مستعمرة ملكة واحدة على الأقل .. عملها الأول والوحيد هو وضع البيض ..
وأن عدد البيض يختلف حسب نوع النمل فيتراوح من بضع مئات إلى عدة ملايين ..

وكما علمنا، فالنمل من أطول الحشرات عمرًا على سطح الأرض، وأن بعض ملكات النمل قد يصل عمرها إلى عشرين
عامًا .. وهذا هو بيت القصيد .

أسمحوا لي يا سادة أن نتحدث الآن عن الإمبراطورة ..

عن (سنية) ..
الإمبراطورة التاسعة في تاريخ المملكة .. وأكثرهن سخفاً .. وتفاخرًا غير مُبرر ..
ولو أضفنا إلى هذه الصفات ميلاً شديدًا لإبتكار أغبى الحلول لأى مشكلة، سنصل بمنتهى السهولة إلى أستنتاج شكل فترة الحكم التى تمر بها المملكة تحت مظلة هذه الـ (سنية) ..!

ورغم أن (منعم) ومنذ اليوم الأول لِتقلدها أمور الحكم وشئون المملكة لم يكن راضيًا .. إلا أن التقاليد العسكرية الصارمة التى تربى عليها وقسم الولاء للمملكة والإمبراطورة، كبلا يداه تمامًا .. ولم يكن من سبيل أمامه إلا الصبر، وأنتظار القدر .

فهل كان القدر رحيمًا ..؟!!!
لا .. لم يكن على الإطلاق .. إن هى إلا بضعة أشهر وأصبح اليوم الذى يمر دون مشاكل أو مفقودين من سكان المملكة حدثاً يستحق الإحتفال .. وكانت الطامة الكُبرى مع نهاية العام الأول من حكم الإمبراطورة المُبجلة (سنية) ..
لقد بدأت المجاعة، ويالها من ذكريات ..

هذا عن نتائج تقلدها للحكم، أما عن الـ (Look) _ الشكل يعني _ فحدث ولا حرج، هل تعرف شيئًا عن سحنة فرانكنشتين، هل سمعت مغامرة من مغامرات أمنا الغولة، هل سبق وشاهدت الأشكيف في أحلامك .. ؟!!!!

الحمد لله .. بهذا نكون قد أختصرنا ملايين الأحرف في محاولة ميئوس منها لوصف هذه الـ .. (سنية) .

صحيح أن العبرة بالروح، وأن الشكل آخر ما يحكم عليه العقلاء فيمن يتعاملون معهم، ولكن ماذا لو أن الروح هى الآخرى _ ذى الهباب _ مثل الشكل، ما العمل وقتها ..؟، صدقوني .. أنتم لم تروا (سنية)، وأتمنى ألا تروها أبدًا .. أبدًا .

•    الحقينا يا ستنا، كارثة مصيبة يا خالة ..؟
حارس مسكين تبدو عليه ملامح الجفاف الواضحة، فتلتفت المُبجلة ذات العيون الناعسة، وقار مصطنع .. أخييييييييه .. وتجيب كبائع حشيش محترف

•    أييييييييه، أنا مش قلت مش عايزة إزعاج لحد ما خلص التعميرة بتاعتي، هى الواحدة متعرفش تاخد راحتها وله أيه ..!؟؟
هل رأيتم .. أجيبوني بصدق .. أيمكن أن تكون هذه طريقة للحوار بين إمبراطورة ورعاياها، ألم يكن الأفضل أن تتريث تلك الـ (السنية) وتتفهم سبب اللهفة الواضحة في صوت هذا الحارس المسكين .

•    يا ستنا السماح، أصل فية فاكسنميلي وصل من الريس (منعم)، بيقول أن فرقة الحرس 90 أختفت، وأنه هيغيب حبة عقبال ما يلاقيهم  .
رائع، (منعم) يتصرف كقائد محترف، كم أتمنى لو أنه هو الإمبراطور .. وليس هذه الـ .. (السنية)

•    طييييييييب، خلاص عرفت .. لما يرجع  أبقى خليه يفوت عليا عشان أعرف نتيجة المهمة، أمشى بقى خليني أخلص التعميرة .. أففففففففففف .
لن أتحدث .. لن أعلق .. مارأيكم .. أرأيتم أهمال كهذا .. لا أظن، ألم يكن ينبغي أن تهب لنجة رجالها، أو على أقل تقدير ترسل مساعة للبطل الوحيد (منعم) .. أخيييييييه .. أخيييييييه صحيح .

***********
كما تحدثنا عن قائد الحرس .. وعن الإمبراطورة، سنتحدث الآن عن المملكة أو المستعمرة كما يُطلق عليها علماء الحشرات ..

في البداية ينبغى أن تعلموا أين تقع المملكة أساسًا ..
كما ينبغي أن تعلموا لإى فصيلة تنتمي هذه المملكة، هل تذكرون ما قلناه عن النمل الحفار الـ (Carpenter ants)، ذلك النوع ساكن الأشجار شديد الشراسة .. الذى يقذف مادة حمض الفورميك عند تعرضه للخطر، هذا هو النوع الذى تنتمى إليه مملكة (منعم) و (سنية) .. أى أن مكان المملكة هو جذوع الأشجار الكبيرة، الكبيرة جدًا ..

لقد وقع الإختيار على مجموعة من الأشجار المتلاصقة .. وأخُتير أوسطها كمركز لقيادة المملكة، حيث تقع حجرة الإمبراطورة الخاصة في أعلى مستوى، ولما لا ووحدها _ الست (سنية)  _ تمتلك أجنحة ولديها القدرة على الطيران إلى أى مكان تريد ..

وبالتالى فالمملكة ماهى إلا مجموعة من الحجرات المنحوتة داخل جذوع تلك الأشجار .. ومساكن المستعمرة تمتد بين خمسة عشرة شجرة فى أحد حقول (كفر أبو طشت)، حيث تتصل الأشجار بممرات تحت أرضية خاصة، ناهيك عن الأفرع الممتدة بين بعض الأشجار المتواجهة، جهد هائل بدأه الأجداد ومازال متصلاً إلى الآن .

أما عن مكان الأشجار نفسها، فهى تقع على مرتفع طبيعى قرب مصدر المياه المهجور بالقرية (الساقية)، ولهذا فقد كانت مشكلة المياه التى تعانى منها معظم ممالك النمل لاوجود لها في مملكة القائد (منعم) ، يكفى أن يتم حفر ممر هابط لنحو ثلاثة أمتار، حتى يتوافر ما يكفي من مياه للشرب وأعمال النظافة والزراعة ورعاية الصغار ..

أما عن مراكز الدفاع والحراسة، فقد تم توزيعها على شكل دائرى بحيث تحوى كل شجرة مركزًا للحراسة، ويوجد المركز الرئيسي _ مقر القيادة الخاص بالقائد (منعم) _ في الشجرة المواجهة للساقية، مما يسر من مهمة تأمين المملكة طوال الوقت ..

لقد تواصلت الأبحاث والتجارب قبل أختيار هذا المكان بالتحديد لكي يصبح مقر المملكة .. فتمت تجربة كل ما يخطر ببال للعثور على أقصى أستفادة ممكنة .. حيث أرُسلت بعثة من قوات المملكة إلى قرب الساقية والجدول المحيط بها لمعرفة مدى خطورة الإقامة واحتمالات الغرق، وأستمرت هذه العملية عدة أسابيع أرُسلت خلالها  مجموعة أخرى لتقوم بحفر نفق يُمكّن الجميع من المرور أسفل الساقية والجدول نحو زراعات القصب .. حيث المكان الأفضل لإقامة المملكة .

إلى هنا ولا شىء يدعو للدهشة أو التعجب، ولكن .. مارأيكم لو علمتم أن السيدة المُبجلة (سنية) قد أصدرت أوامرها منذ يومين لتغيير الشكل الخارجي للمستعمرة .. تريد أن تساير الموضة السائدة .. تريد أن تُعطي (New Look) للمملكة .. يا جماعة دى عايزة تدهن الشجر كاروهات ..!!!

***********
إن البطولة مهارة إلى جانب الموهبة، قُدرات تثقُلها الخبرات المتوالية والإعداد المتميز .. البطولة ليست هبة، ولن يُثبتها نيشان أو ميدالية .. أبدًا لم يكن الإبطال مجرد صور تُزين الحوائط، وأبدًا لن تكون قصص البطولة مادة سمر ولهو .. أبدًا

أعذروني لتلك البداية المتحفزة .. أنما أردت التعبير عما أحسست به بعدما رأيت من تصرف البطل المهيب .. (منعم) ..
تذكرون الموقف العصيب الذى تركنا عليه القائد (منعم) وسط زراعات القصب ينتظر رجاله، بعد تفرقهم للبحث عن طعام للمستعمرة، وكيف أستبد به القلق مع تأخرهم غير المُبرر ..

لم يستغرق القائد الرائع سنوات .. لم يُشكل لجنة تنبثق عنها لجنة تُشرف على مجموعة لجان، ليحصل في النهاية على تقرير واف يوصي بإحد أمرين .. البحث عن الكتيبة المفقودة .. أو إستمرار أعمال اللجان لإيستيضاح أسباب أختفائها ..

هذا لو وضعنا في الإعتبار أن الكتيبة ستظل على قيد الحياة إلى أن تنتهى اللجان من أعمالها .. ماذا كان تصرفه إذن ..؟، رويدكم .. أنما أنوي مواصلة الرواية .. أم تُراكم تظنون أني راحلٌ عند صياح الديك ..........

على الفور أنطلق (منعم) مُتسلقاً واحد من أعواد القصب المنتشرة في المكان، ثم أخرج بوقًا لامعًا من حزامه _ الحزام شريط عريض من مادة لينة يُلف حول الخصر لإحكام السراويل أو لحمل بعض الإحتياجات _ ما أن وصل القمة .. مقربًا ثقبه من فمه الدقيق، وموجهًا فتحته نحو أمتداد زراعات القصب، ومع زفيره المُتقطع أنبعثت في المكان عدة نغمات مختلفة التردد، نغمات شبه موسيقية، نغمات التجمع الخاصة برجال الكتيبة .

لا ترفعوا الحواجب من فضلكم .. أعلم أن الأمر صعب التصديق، وصدقوني لن أجبركم على قبول مالا ترضون، فقط لنتفق على التغاضي عن كل ما هو غريب إلى أن يثبت أحدنا صدق معلوماته ..

ولكي نستمر دون معوقات، أعترف أن ما سبق غير حقيقي، فالنمل يستخدم أسلوبًا للتخاطب يشبه أسلوب النحل _ هل تعرفوه ..؟ _ في بحثه المستمر عن رحيق الأزهار ..

النحلة _ أى نحلة _ عندما تصل إلى مكان تملؤه الأزهار _ الأزهار الصالحة لإستخراج الرحيق _ تقف في الهواء وتبدأ في ممارسة نوع من الرقصات الخاصة لإرشاد باقي النحل إلى مكان الطعام، وهى في الواقع لا ترقص أنما تُرسل إشارات ترددية مختلفة النغمات بواسطة أجنحتها، نوع من التخاطب اللاسلكي الألهي .. سبحان الله ..

وكذلك يفعل النمل _ مع الإختلاف بالطبع _ إذ يمارس أفراد الإستطلاع ما يشبه الرقصات عند العثور على مكان الطعام بالإضافة إلى إطلاق رائحة مميزة في إتجاه الريح لإرشاد رجال الحصاد إلى مكان الطعام .

حسنًا .. مادام الأمر هكذا، لماذا التفلسف وسرد الأكاذيب ..؟، أعلم أن هذا ما تودون قوله .. الأمر بسيط، لنقل أنني أتخيل شكل التطور الذي ستصل إليه قبائل النمل مع تقدم الأعوام والسنين، ليس من المنطقي أن نظل محلك سر في كل شىء , حتى النمل ..!!

ثم أنني لا أخترع فنمل العالم الجديد _ نمل القرن العشرين _ يختلف عن أجداده في وجود غدة فوق الأرجل الخلفية تفرز مادة تعمل كمضاد حيوي لحماية أفراد المستعمرة وأعشاشها من غزو البكتيريا والفطريات .. وهي علامة تشريحية مميزة تمكنهم من العيش بسلام تحت الأرض وعلى الأشجار.

دعونا لا نبتعد عن الموضوع، أنتهى (منعم) من وصلته الموسيقية، وعاد يدير عيناه فيما حوله موجها قرون أستشعاره في كافة الإتجاهات الممكنة، أملاً في العثور ولو على فرد واحد من رجاله، دون جدوى

•    أعمل أيه في العيال دي بقى، أنا نبهت عليهم مية مرة يلتزموا بالمواعيد، الظاهر لازم أعملهم طابور ذنب .. بس يرجعوا الأول ..

آه .. نسيت أن أخبركم كيف أرسل (منعم) ينبه المستعمرة إلى المأزق الذى يعانيه، أعذروني رأسي مشغول للغاية هذه الإيام، عمومًا الطريقة بسيطة جدًا، مثلما أستخدم (منعم) البوق لعزف نغمات التجمع الخاصة برجال الكتيبة، أستخدم نفس البوق لإرسال الفكسنميلي .. ولكن بطريقة معكوسة، أى أنه عزف من الفتحة الأكبر للبوق، أعلم أنكم لاتصدقون .. هذا شأنكم .. لنتابع الآن ..

مرت الدقائق بسرعة السلحفاة عابرة الحواجز _ فصيلة لا أظنكم تعلمون عنها الكثير، هى من فصائل القرن الثالث والعشرون .. ربنا يديكم الصحة _ ولازال القائد المهيب ينتظر، كان بمقدوره أن يعود إلى المستعمرة لإحضار مساعدة، ولكنه لم يفعل، لماذا .. ؟؟ لأنه بطل، ولأنه (منعم) .

وهكذا، وبمنتهى الشجاعة أتخذ القائد الرائع أخطر قراراته .. وأعنفها في عمره القصير، ثني .. مد، وثني مد، إطاحة الرأس إلى الوراء، وبلا تردد قفز الرهيب (منعم) من إرتفاع ثلاثة أمتار كاملة _ وهو إرتفاع قاتل لنملة لا تمتلك أجنحة _ وهو يطلق زفير متقطع بكل ما أوتي من قوة في بوقه اللامع .. ياله من بطل هذا القائد الهمام، على الرغم من خطورة القرار وصعوبة التنفيذ ولكنه لم يتردد، إنها الطريقة الوحيدة لإعادة رجاله لو أنهم لم ينتبهوا لندائه الأول .

طريقة فعالة .. نشر التردد الموسيقي على مساحة واسعة عن طريق الإحتكاك بطبقات الهواء الثابتة _ نظرية علمية حديثة من مخلفات القرن الثاني والعشرون _ لإطلاق النغمات في أكبر مساحة ممكنة، و..

مهلاً .. هل أخبرتكم عن الشكل التشريحي للنمل ..؟
لا.. حسنًا .. النمل كسائر الحشرات له ثلاثة أزواج من الأرجل (ست أرجل) والجسم مكون من حلقات تشكل ثلاث مناطق رئيسية هي الرأس والصدر والبطن .. فالرأس تحمل زوجاً واحد من قرون الاستشعار العقدي الشكل وزوج من الفكوك .. وعينان بالطبع، أما الصدر فيتكون من ثلاث حلقات على كل منها زوج من الأرجل، بينما تحمل الحلقتين الثانية والثالثة للملكات زوجين من الأجنحة التي يبلغ طولها أكثر من ضعف طول البطن .

ما رأيكم في المعلومات الجديدة .. ؟، ماذا .. ما هدفها في هذا التوقيت ..؟
صراحة أجد صعوبة في تحديد العلاقة بين المعلومات السابقة وموقف (منعم) بعد قفزته الشجاعة، فقط هل أجد لديكم تفسيرًا لهذا المشهد .......

كتيبة القائد (منعم) تتحرك كيكان واحد بإتجاه المستعمرة، دعونا نقترب أكثر من هذا السرب الشبيه بثعبان زاحف، همهمات .. وصوت يتآوه بلا توقف، لنقترب أكثر .. الكتيبة تتحرك في صفين متوازيين .. الآن فقط يتضح لنا أنهم يحملون شىء ما .. أهو عينة من الطعام أم ..؟

يا رب العالمين .. هذا (منعم)، القائد الرهيب يرقد ممدًا على ظهور جنوده، و ...، ماهذا .. هل تحطمت ذراع القائد أم أنني أحتاج عوينات جديدة ..؟
•    حاسب ياض منك له، كفاية أيد واحدة .. كان مستخبيلي فين كل ده يا عالم، منك لله يا (سنية) أشوف فيكِ يوم

***********
أعتقد أن السؤال المُلح على أذهانكم الآن _ وقبل مواصلة السرد _ ماهى علاقة كل ما سبق بالعنوان الغريب (يوم في حياة نملة) ..؟، فحتى هذه اللحظة لا يوجد يوم ولا توجد _ بشكل محدد _ نملة ..؟، تريدون إجابة شافية ومقنعة أو تمتنعوا عن مواصلة القراءة .. أليس كذلك ..؟

في الأحوال العادية، لم يكن تهديد كهذا ليؤثر في ثباتي بإى حال، أم الآن فأنا وعن صدق راغب في أن تواصلوا معي إلى النهاية، فقط أعطوني ثقتكم ولن أخذلكم .. أمنحوني الوقت ولن تندموا _ وهنيالك يا فاعل الخير والثواب _ أعدكم .

وعموما .. حتى تتضح الأمور، سيبدأ اليوم الموعود إعتبارًا من هذه الفقرة، كان هذا بعد تماثل القائد الهمام (منعم) للشفاء إثر إصابته المُفجعة في حادثة السقوط الأشهر في تاريخ المُستعمرة .

أنه الصيف بهواءه الساخن برطوبة الجو الخانقة ونشاط النمل الرهيب خلال أشهره الثلاث، كل شىء يسير على خير ما يرام .. كتيبة القائد (منعم) نجحت في العثور على أرض جديدة كمصدر طعام، والعمل يجري على قدم وساق لتخزين إحتياجات المُستعمرة قبل إنتهاء أشهر الصيف .

أعواد القصب التي تم تقطيعها بالمناشير الآلية _ تطور .. بلاش تلاكيك _ يدفعها أفراد الحصاد، أكوام من أوراق الأشجار _ مش عارف بياكلوا الحاجات العجيبة دى إذاي ..؟ _ تبدو كما لو تسبح نحو مخازن المُستعمرة، القائد (منعم) بذراعه الصناعية _ ياعيني عليك يا ضنايا .. ! _ يراقب من نافذة مركز الحراسة الرئيسي .. يعطي الأوامر أولاً بأول .. يذلل العقبات .. قائد بمعنى الكلمة .

الست (سنية) تقف في نافذة الحجرة الملكية تُدخن الشيشة في إستمتاع .. ترمق حشود رجال الحصاد بلا مبالاة، تلتفت بين الحين والآخر لإحدى الوصيفات .. تصرخ بصوت متحشرج كصنبور المياه الخالي منذ عامين :

•    شوفيلي حد يغير التعميرة، هى الواحدة متعرفش تضبط مزاجها وله أييييييييييييييييه ..؟

سبحان الله .. مشهد لو وقعت عليه عيناك، لن تكف عن المتابعة إلا لشعورك بالتعب أو بحلول المساء، أو أن تجد نفسك محمولاً إلى داخل أحد المخازن بالمُستعمرة ..!!!!!

ورغم حالة النشاط المنتشرة بين الجميع، فلم يخل الأمر من لهو الصغار ولعبهم، أنظروا هناك .. جوار الشجرة الرابعة إلى اليمين، نعم عند حافة الجذر الكبير، بالضبط هنا .. إلى جوار الأوراق المتناثرة .. بعض الصغار يمارسون لعبة ما _ أظنها الأستغماية _ فالبعض يجري بإتجاه جموع رجال الحصاد .. والبعض يتسلق الشجرة نحو مركز الحراسة الثامن، والآخرون كما الأطفال في مناورات بريئة صاخبة، حتى أن تلك النملة البيضاء الكبيرة وقفت تراقب في صمت يقترب إلى الإستمتاع بما يفعله الصغار، و الـ ........

مهلاً .. حسب معلوماتي فالنمل الحفار أما أسود اللون أو أحمر، فمن أين أتت هذه، أتراها تمثال ..؟ لا أظن فالنمل لم يبلغ هذا الحد من الترف، أهى نوع من الهندسة الوراثية أم ... ؟، يارب العالمين أمن المعقول أن تكون هذه ليست ضمن أفراد المستعمرة .. أن تكون واحدة منهم .. من النمل الأبيض ..؟!!!

أراكم لا تشعرون بمدى أنزعاجي، هل تعرفون ماهو النمل الأبيض ..؟
يعتبر النمل الأبيض أو (الأرضة) كما يُطلق عليها في شبه الجزيرة العربية من أقدم الحشرات التي تتواجد منـذ ملايين السنين وأكثرها تطوراً، فهى تعيش في مستعمرات تختلف في حجمها حسب النوع .. حيث يتواجد أكثر من 2200 نوع تنتشر في مناطق العالم المختلفة .. أكثرها في شبه الجزيرة العربية والأمريكتين .

والنمل الأبيض يعيش بعيداً عن الضوء، فيما عدا فترات الهجرة والتزاوج، والتي يتحول فيها لون الملكات والذكور من الأبيض أو السمني إلى البني الداكن، حتى تكتسب أفراده القدرة على التعرض للضوء مع تكون الأجنحة استعداداً لغزو مناطق جديدة، وتكوين مستعمرات آخرى .

والنمل الأبيض ليس نملاً بالمعنى المعروف ..  حيث يتميز النمل العادى من الناحية التقسيمية بوجود خصر فيما بين الصدر والبطن بينما يتصل الصدر والبطن في النمل الأبيض مباشرة وبدون خصر .

كل هذا جميل ورائع ومفيد، وصلة معلومات مجانية جديدة .. ولكن ما علاقة كل هذا بما نفعله هنا ..؟
المشكلة ببساطة يا سادة أن الـ ...، أسمعوا لن أخبركم الآن لنتابع مشهد الختام في هذه الفقرة على أن نواصل الشرح والتفسير فيما بعد .. فيما بعد ......

تلك النملة البيضاء اللطيفة لم تعد تتابع لهو الصغار الآن، تتحرك بخطوات حذرة وسط الأوراق المتناثرة أرضًا، المؤسف في الأمر أن الحراس لم ينتبهوا إلى النقطة البيضاء المُتحركة صوب مقر القيادة .. نحو الحجرة الملكية .. غريب أيضًا أن هذه البيضاء تتسلق الشجرة .. لماذا لا تستعمل تلك الآجنحة الكبيرة على خصرها ..؟

الآن تلتصق البيضاء بالركن العلوي لنافذة الحجرة الملكية .. عيناها تبرقان في ظفر .. الست (سنية) في واد آخر تمامًا وسط كركرة الشيشة وضباب المعسل .. القائد (منعم) لم يزل يُلقي أوامره لرجال الحصاد .. البيضاء تقترب أكثر نحو مخدع الإمبراطورة .. القائد (منعم) يُشير نحو قطعة قصب سقطت نحو المنحدر القريب .. البيضاء تتسلسل داخل الحجرة الملكية خلف ساتر كثيف من دخان الشيشة .. القائد (منعم) يلتفت ملوحًا للإمبراطورة بقرب إنتهاء الحصاد ليجد كيانًا شديد البياض يندفع طائرًا عبر نافذة الأخت (سنية) وهو يحمل الأخيرة شخصيًا .

لحظات من الذهول والبيضاء تدور حول نفسها في إستعراض قوى، وكأنها تنتظر مبادرة غير مُبررة لإنقاذ الست (سنية) من بين يديها، قبل أن تندفع نحو مركز الحراسة الرئيسي حيث القائد (منعم) لتتوقف في الهواء على بعد سنتيمترات من نافذة الغرفة مطوحة بقصاصة إليكترونية، التقطها (منعم) والبيضاء تدور حول نفسها للمرة الأخيرة وتندفع بحملها لتغيب عن الأنظار .

***********
العام الفين وواحد وسبعين بعد المائة الثانية ..
الحياة تسير .. شئنا أم أبينا .. إرادة الخالق فوق كل إعتبار

كيف أصف هذا المشهد المؤثر أمامي .. أنه طوفان .. نعم إنها الحقيقة يا سادة وليس نوعا من المبالغة أو إستعراض أمكانيات لغوية، نصف سكان المستعمرة على الأقل .. مايزيد عن مليوني نملة يتحركون بذات الإيقاع الثعباني الشهير .. يلتفون .. يتزاحمون _ ده مش حديث المدينة عشان مانقطعش على بعض _ وكأن كلام من دهب وصل إليهم أخيراً ..!!! .. والكل يهرع للفوز بالجنيهات الذهبية .

دعونا نقترب من تلك الجموع .. ببطء .. وحذر ..، هناك همهمات ؟؟ .. أظن ذلك، الأصوات لا تبدو في غاية الوضوح من هذه المسافة البعيدة .. لنقترب أكثر، أتراهم يغنون ؟؟.. في مثل هذه الظروف ..؟ كلا بالطبع، مازالت عاجزا عن تمييز الصرخات، لنقترب أكثر وأكثر، .. آها .. الآن تتضح الأمور .. أنهم يهتفون .. بأصوات عالية كما هزيم الرعد، بقلبٍ واحد في نفس اللحظة، نعيشُ .. نعيشُ .. وتسقط سنية ..

صراحة توقعت كل شىء من هذه المستعمرة العجيبة، إلا أن يتخلوا بهذه البساطة عن مليكتهم .. صحيح أنها قوية ومفترية ومخها مقاس أربعة تحت الصفر .. بس عيب ده مش كلام خالص .. وله أيه ..؟

•    أكتم منك له، الريس (منعم) هيتكلم ..
هذا (بسطويسي) الذراع اليُمنى للقائد (منعم)، قوي .. سريع الأستجابة .. ينفذ دون أعتراض أو تفكير، بإختصار حاجة تفصيل ماتلاقيهاش اليومين دول إلا بطلوع الروح ..!!

•    شعب المستعمرة الكريم _ ياسلام على الأدب _ م الآخر أنا قرفان ودماغي جابت جاز _ أهو كده أرجع لأصلك _ لزمتها إيه الهتافات المهببة دى، شايفنا رايحين جايين بنتفاوض على سلامة الست، الحمد لله هم وأنزاح، وعشان تطمنوا .. المهلة خلصت بقالها ساعة، والزعيم بتاع النمل الأبيض قايل لو ماسبناش المستعمرة قبل نهاية المهلة المكتوبة .. هيخلصوا على أختنا (سنية) _ أصوات صراخ وزغاريد .. لا حول و لاقوة إلا بالله _ أستريحتوا .. كل واحد على شغله، الدنيا مش هتقف عشان الست .. وده بالضبط الرد اللى بعتناه على الميلنميلي بتاع الأخوة البيض .. ربنا يصبرهم على ما بلاهم .

هذه المرة أنا أعترض وبشدة .. أتلك أخلاق الفرسان _ كسفتني يا (منعم) الله يكسفك ..
ثم أنني أشعر بتسرع في إتخاذ هذا القرار، لماذا لم تتم دراسة كل المعلومات المتوفرة عن النمل الأبيض، إن مكتبة المستعمرة تكتظ بمئات الرسائل العلمية والأبحاث .. وله هو النمل كمان غاوي يعلق الكتب على الرفوف ..؟؟!!!!!

حسنا .. لن أتبع ما قرروه، فما توصلت إليه حتى هذه اللحظة يُنذر بالخطورة .. تابعوا لتتأكدوا مما أقول

فحسب ما عثرت من معلومات تنقسم أنواع النمل الأبيض إلى عدة طرز، فهناك بانية  الجبال أو حافرة الأنفاق تحت الأرضية، وهذا النوع _ حافر الأنفاق _ تكون مستعمراته هائلة، نظراً لظروف حياة هذه الحشرة وضرورة اتصالها بالتربة بصفة دائمة، فتستقر الملكة تحت سطح الأرض في مركز المستعمرة، وهي _ الملكة _  المهيمنة على كافة الأنشطة بالمستعمرة بينما تقوم الشغالات أو الحوريات بالبحث عن الغذاء أينما وجد، مما يضطر أفرادها إلى اقتحام المباني المتواجدة بالمنطقة عن طريق أي ثقوب صغيرة أو فتحات أو تشققات بالأساس بينما يلجأ في المناطق المكشوفة إلى عمل سراديب خارجية من الطين يصل فيها ما بين الفتحات والثقوب المختلفة .
وحشرات هذا النوع تهاجم مصادر غذائها في اتجاه  من أسفل لأعلى غالباً، وبطريقة سرية لا تتضح إلا بالصدفة أو باستفحال الإصابة، فيتم مهاجمة المشغولات الخشبية كالأبواب والشبابيك من المناطق المتصلة بأرض المبنى، كما تهاجم الأثاث الخشبي من مناطق الاتصال عند نهاية الأرجل، أو تهاجم الأشجار من أسفل .. وهكذا …

وجدير بالذكر أن تغذية النمل الأبيض بجميع أنواعه تكون من خلال التجاويف الداخلية للخشب، تاركة الإطار الخارجي سليماً ليحفظ لها سريتها، و يوفر لها الرطوبة التى تعشقها ويبعدها في الوقت نفسه عن الضوء المباشر .

هل رأيتم ..؟؟
رائحة الخطورة تُزكم الأنوف، كيف عجزت قرونك عن ألتقاطها يا (منعم) ..؟؟،  ولكنني لن أتخلى عنك .. بتحليل بسيط لرسالة التهديد التي القتها البيضاء .. يتضح أن هدف النمل الأبيض ليس الأخت (سنية) _ يارب ما يرجعوها _ أنما هدفهم الأسمى والرئيسي هو المستعمرة نفسها .. أنها الحرب .. والبقاء للأقوى والأصلح .. والأذكى بالطبع .

والملاحظ أن كل أنواع النمل الأبيض تعيش عادة في أروقة ضيقة بينها مسالك أو ممرات، وربما تكون الأروقة بكاملها في الخشب أو في جحور وملاجئ بالتربة تكون على اتصال بأروقة في الخشب الذي تتغذى عليه، وبهذا يكون النمل الأبيض في وقاية من الحوادث المفاجئة التي تنتج من التعرض أو ملامسة سائر ما تتعرض له الحشرات الأخرى، نتيجة الإحتكاك المباشر بالطبيعة .

المهم ..
كما أخبرتكم .. تقع معظم مُستعمرات النمل الأبيض (إما تحت الأرض .. أو في تجاويف المباني والأشجار) .. يعني من غير لف ودوران وعلى بلاطة م الآخر .. أعتقد أن معظمكم إن لم تكونوا جميعًا قد أستنتجتم مكان مُستعمرة  النمل الأبيض .. هه .. علوا صوتكوا شوية .. مش سامع .. أيوه بالضبط .. أسفل شجرة الأخت (سنية) بإكثر من عشرون مترا .. بعضكم سيعترض _ آل يعني مسك غلطة .. يا روش يا روش _ متسائلا .. من أتى قبل الآخر..؟، وإن كان النمل الأبيض فكيف لم يكتشف رجال الإستطلاع بمُستعمرة (منعم) أمر النمل الأبيض .. أين قواعد الأمان ..؟

في الواقع أنا أيضاً سألت نفسي ذات السؤال .. ولكنني لم أصل للجواب المقنع .. لقد عاصرت ورأيت بأم عيني المراحل التي مرت بها مُستعمرة (منعم) و (سنية) .. أما مُستعمرة الأخوة البيض فمن الصعب جدُا تحديد وقت وجودها فكل مستعمرة _ من مُستعمرات النمل الأبيض _  وحدة مستقلة يصعُب تحديد موقعها، ويتم إغلاق كافة مداخلها بواسطة طائفة الجنود، للذود عنها ضد أي أعداء تحاول مهاجمتها، ومن غير المألوف رؤية هذه الحشرات سوى في مواسم الهجرة والتزاوج ولا يمكن كشف الجحور الأرضية وشعابها بسهولة حيث يتطلب الأمر فحصاً متقناً وعناية فائقة .. ولما كنت بعيدًا كل البعد عن مهنة مطاردي الحشرات فلست أملك إجابة شافية لهذا التساؤل ...!!

***********
ضباب .. ظلام وكأنك في بيت أشباح الملاهي، ثلاثون مترا تحت سطح الأرض .. رطوبة خانقة لنا نحن البشر بالطبع .. ولكنها ليست كذلك لإصدقائنا البيض، نعم .. نحن الآن ياسادة على مشارف البوابة الرئيسية لمستعمرة النمل الأبيض .. الموجودة كما سبق وتحدثنا تحت شجرة المنتصف لمستعمرة (منعم) و (سنية) والـ .........
لحظة .. هل تحدثنا عن السيد (آلاتس) ..؟!!، لا ..!!، ليكن .. لنعتبرها هفوة _ بلاش التلاكيك .. خلينا حبايب أحسن _ فهو ليس بتلك الأهمية التى تتصورون ..
السيد المبجل المحترم (آلاتس) _ محدش سأل معناه أيه وله مين اللى سماه كده .. عوكيه .. _ ماهو إلا قائد مُستعمرة النمل الأبيض .. وهو ككل بنى فئته من رجال الساسة النملية الحاكمين ذا لون بني غامق يميل عادةٍ إلى السواد له أجنحة معتمة ضخمة، لذلك فهم وحدهم _ فئة الحُكام _ القادرين على التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة بعض الشىء .

كل شىء يسير على نحو هادىء منتظم .. الغريب أنني ألمح مظاهر التعب والأرهاق على البعض هاهنا .. لنقترب فقد ندرك الأسباب .. نحن الآن _ وعلى مسافة أثنين وثلاثون مترا تحت سطح الأرض _ نقف أمام حجرة السيد (آلاتس) إمبراطور النمل الأبيض، هناك أصوات نقاش حاد ترتج لها ممرات المُستعمرة، هلموا إلى الداخل .. يكاد الفضول أن يقتلني

حجرة مستديرة الجدران _ ككل حجرات المستعمرة _ لا نوافذ بالطبع ولا أثاث .. فقط هناك تلك الأعواد الخشبية أو المعدنية لا يمكنني التمييز في هذه الإضاءة الضعيفة، أظنها عرش الإمبراطور، هناك أيضا في أقصى اليمين من مدخل الحجرة تلك الثقوب متامثلة الأحجام .. هى بالتأكيد اليرقات المُختارة لكي يشرف السيد (آلاتس) بنفسه على إعدادها لمهام الحكم في المستقبل _ هذا الأسلوب متبع في معظم ممالك الحشرات .. وإن تظهر أثاره بشكل أوضح في النمل _ أما عن الحضور فهم خمس يتقدمهم السيد (آلاتس) بالطبع ثم وزيره الداهية (ترمس) و قائد الحرس والجيوش صاحب النظرات الثاقبة     (كلكوع) وأخيرا الحرس الشخصي للإمبراطور .. وهذان لا دخل لهما في الحوار ومن غير الضروري التعرف عليهما .

•    يعني أيه، الواد (منعم) ده مش ناوي يسلم
•    يا (آلاتس) باشا .. ما أنا قلت لجنابك، نقوم عليهم .. وتبقى هيا القومة، صدقني مش هياخدو غلوة، حكاية المفاوضات ولعبة الأخ (ترمس) مش داخلة دماغي .. أحنا كده بنضيع وقت، وشعبنا المسكين مش لاقي اللقمة

يبتسم (ترمس) ويتقدم في وقار صوب مكان الأعواد، فيستند إليها مديرا عيناه في إرجاء الحجرة وقرون أستشعاره كما أبراج الردار :
•    (كلكوع) حبيبي .. مش مهم تفهم وتستوعب، المفروض أنك بتنفذ وبس، ثم أن الخطة اللى أنا حطتها بعبقريتي صعب عليك تفهم تأثيرها دلوقت
•    يعني أيه، قصدك أني غبي .. أن مخي على أدي، أسمع الـ.............

يتدخل (آلاتس) بين وزيره وقائد الجيوش ليمنع عراكا وشيكا :
•    كفاية بقى أنا أتخنقت، خلينا ف (منعم) والبتاعة المرمية جوة دى
•    أنا شايف نهجم دلوقت يا (آلاتس) باشا، هما مش واخدين خوانة والحكاية هتبقى سهلة .. قلت أيه

يتجمد المشهد تماما وكأننا في مُتحف الشمع، الكل يحترم صمت الإمبراطور، (ترمس) يفكر بعمق، (كلكوع) يتمنى موافقة الإمبراطور على بدء الهجوم .. والحرس الشخصي تطل البلاهة وعدم الفهم من أعينهم وتتدلى من قرون أستشعارهم .

•    ولعها يا (كلكوع) .. ولعها
وأخيرا تحدث (آلاتس) .. طال صمته وجاءت موافقته لتُثلج صدر (كلكوع) وتُثير غضب (ترمس) أكثر :
•    أذاي يا باشا .. شعبنا جعان ومش حمل حرب دلوقت .. ثم ممكن ناخد اللى أحنا عايزينه بالمخ والتفكير بعيد عن الضرب ووجع القلب
•    معدش يجي منه يا (ترمس) .. أنا وافقت خلاص، ولعها يا (كلكوع) .. عايز المستعمرة بشجرها تبقى في أدينا بكرة ذي دلوقت .. فاهم

قطعا يفهم .. (كلكوع) قائد همام قوي الشكيمة .. مندفع نوعا ولكنه ذكي للغاية .. خسارة ستسقط مستعمرة (منعم) ستسقط نتيجة الأهمال والتكاسل واللامبالاة ..

***********
كثيرا ما سئلت نفسي .. كيف تبدأ الحروب ..؟، هل بداية الحرب طلقة مدفع .. تفريغ لخزانة بندقية أو مسدس، أم أن الحرب تبدأ بكلمة على غرار Attack  أو إلى الحرررررررررية، أو ربما كما يقول الأخوة الحرامية بسك عليهم ..؟، هل قرار الحرب قرار دولة، أم مصلحة أمة .. أم أستفتاء شعبي لا بديل عنه، هل قرار الحرب خيار لا مفر منه لا بديل سواه، وهل يكون لإستعادة حقوق أم لسلبها .. ماذا عساه يكون بالضبط ..، وكيف تكون البداية ..؟

صحيح أنك وفي هذا الزمن من المحتمل جدا أن تأوي إلى فراشك في أمان الله وتستيقظ بعدها بدقائق بدافع العطش أو الجوع لتلتقط أذنك دوى المدافع وهدير الطائرات .. هكذا وبلا مقدمات، لتدرك فيما بعد _ إن بقيت على قيد الحياة _ أن الحرب أندلعت بين الدولة فلانة وعدوتها علانة لتصفية ثأر قديم لم تنجح في إنهاؤه المفاوضات، أو أن الدولة ترتانة لا تعجبها طريقة بيع الفول في الدولة أسمها أيه وقررت تصدير الفول في طائرات أف 16 وأف 18 .

مفاهيم غريبة وتصريحات لا تُعقل، ومع ما تُثيره الحروب من فزع ورعب _ وبدافع الفضول _  كنت ومازالت أبتهل إلى الله العلي القدير أن أتابع حربا من بدايتها .. من الأساس، أضع يدي على الحقائق التي لا ترى النور .. أشهد بأم عيني مولد القرار وطلائع البداية، أريد أن أرى وأعرف وأتعلم وله هى الفرجة كمان حرام .

ومرت الأعوام .. تلو الأعوام، وها قد تحقق حُلمي .. ها أنا أشهد وأتابع وأسمع حربا وشيكة .. حرب من نوع خاص للغاية، القرن الرابع والعشرون .. تخيلوا شكل معاركه، الخطط التكتيكية و الإستراتيجية، محاولات الخداع والتضليل .. مهارات القادة .. الأسلحة المستخدمة .. النتائج المتوقعة، أى روعة .. أى جمال .. أى حـ............

عفوا .. تقولون أنها حرب بين النمل، وما المشكلة ..؟، أنا أراها أكثر إثارة وإمتاعا .. صدقوني أنما نصف ما تعلمناه نحن البشر يرجع الفضل فيه إلى شركائنا في هذا العالم .. حشرات وحيوانات .

ماعلينا .. لنختصر أفضل ..
الآن وبعد مرور أقل من ساعة على أنتهاء المهلة التى حددتها البيضاء، تتحرك جيوش النمل الأبيض في ممرات خاصة بإتجاه الهدف الرئيسي .. حيث مركز قيادة المُستعمرة بشجرة المنتصف وحجرة الأمبراطورة ..

صحيح أن تنفيذ هذا الأمر شىء بالغ الصعوبة ولكنه ليس مستحيل .. النمل لا يعرف المستحيل، وبناء على الخطة التي وضعها (كلكوع) وأقرها الحاكم (آلاتس) أنتلقت قوات النمل الأبيض في ست مجموعات للسيطرة على مقر قيادة مُستعمرة القائد (منعم) .. بسيطة هى الخطة وفعالة للغاية، فمن عساه يتوقع أن يأتي الهجوم من أسفل إلى أعلى .

ست مجموعات من النمل تضم كل مجموعة ما يزيد عن ألفي نملة بيضاء، فهل تكفي مجموعة واحدة من حرس المستعمرة لا يزيد عددها عن مائة نملة في التصدي لهذا الهجوم الكاسح .. لا تتسرعوا ولنترك إجابة هذا السؤال إلى النهاية ..

كح كح .. أخيرا
ها نحن على السطح .. الأفضل أن نتابع سير المعركة من الهواء الطلق .. فلن أحتمل تلك الرطوبة من جديد .. كل شىء هادىء وطبيعي للغاية في أركان المستعمرة .. الشمس تبدأ رحلة المغيب ورجال الحصاد يتجهون بإحمالهم نحو مخازن المستعمرة .. وغدا يوم جديد

القائد (منعم) وذراعه اليمنى (بسطويسي)، وتفكير عميق لمستقبل المستعمرة :
•    قولي يا (بسطة) .. تفتكر أحنا كده في السليم وله ممكن البيض دول يغدروا بينا ..؟
•    عايز الصراحة يا ريس .. أنا مش مطمن، حاسس أن العالم دول مدكنين حاجة غامقة .. ربك يستر

الدقائق تمر مسرعة .. رحلة الشمس قاربت على الأنتهاء وأضواء القمر تغازل السماء .. لا صوت يعلو على نقيق الضفادع وصراصير المزارع ذات الصفير .. أبواب المخازن أُغلقت .. وبدأ التكييف المركزي عمله لتنشيط الهواء داخل ردهات المُستعمرة .. أبراج الحراسة تتبادل رسائل الإطمئنان الفاكسنملية .. والـ............

•    خييييييييييييييييييييييييييييييييانة، الحقنا يا ريس (منعم)، النمل الأبيض سيطر على شجرة ستنا (سنية) .

***********
سؤال بسيط .. تخيل نفسك وقد أستيقظت ذات يوم على أصوات طقطة وخرفشة _ تصريف فعل خرفش .. _ وأين في حجرة نومك، تهب فزعا من فراشك .. لتجد المئات .. بل الألوف من حشرات النمل وقد أحتلت منزلك، بل _ وشوف البجاحة _ و تنذرك بضرورة المغادرة .. وإلا فلن ترحمك ..!!، أصدقني القول ماذا تفعل حينها ..؟

الإجابة دون حك رؤوس .. أو بحلقة في السقف،  كما يلي :
البعض سيقفز كبهلوان سيرك بارع حتى يصل إلى الحمام .. يضع فتحة الخرطوم _ نوع من المطاط المفرغ يستخدم في أغراض عدة داخل المنازل _ في أقرب صنبور، ويهرع إلى حيث النمل .. متصورا أن المياه هى الحل المثالي للقضاء على مشكلته، مضحيا بأثاث منزله وأجهزته الأليكتروينة .. مع أن حمام شمس سريع سيعيدهم أكثر شراسة .

البعض الآخر سيبتسم في وقار ويجذب الغطاء على جسده ليعاود النوم في هدوء وكأن شيئا لم يكن، ما أحنا طول عمرنا عايشين مع الحشرات أيه الجديد  ....!!!!!!!!!!

البعض الأخير _ وهو ما يعنينا هنا _ سيلتقط خفه _ الشبشب يعني _ الملقى أسفل السرير، ويبدأ عملية مقاومة يائسة .. ولكنها الحل السليم والأقرب .. سيقتل العشرات وتعلو وجهه أبتسامة .. سيأتون بالمئات ويصعدون جسده عبر المنامة _ البيجامة يا أخوانا _ ولكنه لا يستسلم .. يقفز كالسحلية صارخا : ((الحقيني يا أما))، وهم لا يسمعون ولو كان حلو المذاق فمنه يأكلون .. أيييييييييييه عليه العوض .. كان راجل طيب .

مستعمرة (سنية) _ الله يمسيها بالخير _ وقد تحولت إلى ما يشبه المشهد الخالد من رائعة يوسف شاهين ((الناصر صلاح الدين)) مشهد معركة حطين، حينما أشعل جنود العرب نيران الحق في وجه جنود الفرنجة الهابطون من أعلى الجبل ..، سبحان الله .. لو الواحد حب يصور فيلم عن المعركة النملية التي تحدث الآن فمن أين يأتي بكل هؤلاء الكومبارس ...؟؟،  عشرات الألاف من جنود المستعمرتين .. أبيض وأحمر _ مش الأهلي والزمالك .. عوكيه _ .. خيوط الليزر المتطايرة _ أيوه ليزر آمال يعني القرن الرابع والعشرين هيحاربوا بغطيان البيبس _ وأهتزازات القنابل تمزق سكون الليل .. يا حلاوة يا ولاد .. يا سلام وسلم .. أرى رجال المستعمرة وبعضهم يجهز مدفع النملترون .. يا خرابي .. خدلك ساااااااااااااااااااااااااتر .

هففففففف .. كح كح كح .. أعزائي متابعي حرب النمل الدولية .. لو كنتم تجلسون إلى يمين المستعمرة فستجدو النمل الأبيض إلى اليسار وقد تفرقت جموعهم وسرت في كتائبهم الفوضى والأرتباك، ولو كنتم تجلسون في المواجهة سترون كتائب (منعم) وقد تمركزت في مواقع حصينة وبعضهم يُعيد تجهيز مدفع النملترون .. كح كح .. أما لو كنتم تجلسون إلى يسار المستعمرة فلن تشاهدوا شيئا .. أصل الدخان عمى مش عايز أوصفلكم المذبحة اللى قدامي .. مئات الجثث .. رؤوس وأذرع وسيقان .. أهىء أهىء .. والله صعبنين عليا .. الحقيقة مهمة الأسعاف هتبقى في غاية الصعوبة .. وكمان الـ ....، ذربوووووووووووووووووووووو .

كح كح كح .. ملحقتش أخد ساتر، الطلقة الثانية من مدفع النملترون .. النمل الأبيض يتساقط كالذباب .. إنها بوادر النصر .. كتائب النمل الأبيض _ رغم تفوقها العددي _ تتراجع نحو شجرة المنتصف، ورجال المستعمرة يضيقون حولهم الخناق يييييييييييع  .. هل ستنتهي الحرب بهذه السرعة ؟.. هل سيربح (منعم) بهذا البساطة .. ؟، مكنش حد غلب ..!!!!!!!

***********
•    أنا جيت يا ولاد، أنا جييييييييييييت
•    مش ممكن، أذاي ..؟، أنتِ لسه عايشة ..!، طب .. طب هما مش قالوا هيخلصوا عليكي .. عااااااا
•    يخلصوا على مين يا عم، أنا أول ما حسيت أن الحراسة خفت .. فلسعت طوالي
•    فلسعتي ..!!!!!!، يعني محدش شافك وأنت بتفلسعي ...؟

نياهاهاها، مش عارف أقول أيه، (سنيه) وفي هذا التوقيت .. مسكين يا (منعم) طبت عليك ذي القضى

•    لاء طبعا .. وإلا كانوا نشوني، أسمع خلي أى حد يجهزلي تعميرة .. دماغي هتولع
•    تعميرة . !!!!، بالذمة عندك دم .. العيال بتحارب تحت والجثث مالية الحوش _ يقصد فسحة المستعمرة _ وأنتِ عايزة تعميرة، حرام عليكي

بالذمة ده وقته منك لها، النمل الأبيض يعيد تنظيم صفوفه، ورجال المستعمرة ينتظرون الآوامر، بينما قائد الجيوش والإمبراطورة _ اللي مش عارفين جت منين _ يتعاركان على كرسي معسل ..!

•    أسمع ياض يا (منعم) أنت، باين عليك نسيت نفسك، أجري أعملي حجر .. دماغي هتفرقع
•    ياعالم ياهوه .. حد يحوشني عن الست دي، حاسس أني هرتكب جناية .. يا (بسطويسي) .. أنت فين ياله

عااااااااااا .. مش عارف أبلغك أذاى يا (منعم)، قرب م الشباك كده .. أيوه بص بقى ناحية اليمين، عليك نور لاء لاء تحت شوية عند كومة الورق المحروق، عااااااااا شيد حيلك والله الأخ (بسطويسي) كان راجل ونعم الرجال .. البقية ف حياتك

•    شايفة .. أعمل فيكي أيه دلوقت، ذراعي اليمين سافر .. المستعمرة هتضيع بسببك
•    سافر ..!!!، مش قلتلك من زمان أنت هفء .. بالذمة لو كان محترمك اللي بتقول عليه ذراعك اليمين ده كان قدر يتحرك من غير أذنك ..؟

يالهوييييييي، الواد هيروح مني .. حد يحدفلي نبلة يا أخوانا .. عايز أنشها قبل ما تقصف عمر الشاب .. نولوني زلطة ينوبكم ثواب

•    جتك خيبة، مش عارف تغلب شوية نمل أبيض .. بص أنا هعمل أيه
•    لاء .. لاء بلاش .. بلااااااااااااااااااااااش

كح كح كح .. البقاء لله، الست (سنية) أصدرت أوامرها لقادة الكتائب بترك مواقعهم الحصينة ومهاجمة النمل الأبيض الأكثر عددا، مذبحة بكل ما تحمله الكلمة من معاني .. طبعا أول مافعله جنود النمل الأبيض هو السيطرة على مدفع النملترون .. وخد عندك .. منك لله يا (سنية) خربتي الدنيا .. صحيح اللي يخاف من عفريت يطلعله ...!

***********
ببالغ الأسى والحزن، ومنتهى الإحباط أشهد نهاية أمة كاملة .. مستعمرة ذاع صيتها وأنتشرت في بقاع الأرض أعلامها .. هلكت وأنتهى بها المطاف خضوعا للذل والهوان .. ولما ..؟، لأن الحكام وولاة الأمر فيها نسوا ما في أعناقهم من أمانة .. تركوا حقوق شعوبهم وتفرغوا للمكائد والمعارك الشخصية، فضلوا ((أنا على نحن)) .. وتلك نتائج البدايات .

وسط ساحة المستعمرة الكبرى .. يقف (آلاتس) حاكم النمل الأبيض وقد أنتهى جنوده من السيطرة التامة على أركان المستعمرة .. يقف وقد أكسبه النصر غرورا وثقة بلهاء فبدا كمهرجي السيرك وهو يتحدث إلى سكان المستعمرة الأسرى :

•    أخواتي وحبايبي .. ما نجليكوش ف حاجة وحشة أبدا، أنا عارف أحساسكم دلوقت .. مخنوقين .. عايزين تطيروا دماغي مش كده ..؟؟!!!!!، عموما أنا مش هحسابكم على اللي بيدور في دماغ أى واحد منكم .. التفكير مش عيب .. بس اللي هيقل عقله ويحاول ويتجرأ على تنفيذ أى حاجة ضدنا، أحنا أحسن ناس .. أجدع ناس .. أحلى ناس .. ورقصني يا جدع ..

أيه ياعم .. أنت أشتغلت مع حسب الله قبل كده ..؟

•    أحم لمؤاخذة .. أنا عايزكم تفهموا أن الأمور هتستقر بقواتي هنا حبة وقت .. جايز يطول وجايز يقصر، المهم تعاونكم معانا .. أحنا هنساعدكم، هنعين حاكم منكم .. حاكم يراعي مصالحكم ويخاف عليكم .. مش ذي اللي سبقوهم .

غريبة .. مش عارف سمعت الكلام  اللي بيشر غتاتة ده فين قبل كده ..؟؟!!!!

يظهر الآن (منعم) و (سنية) وبعض جنود الحراسة من النمل الأبيض يدفعونهما مكبلين إلى حيث يقف السيد (آلاتس)، فيلتفت لهما الأخير وقد علت وجهه أبتسامة مقيتة :
•    مرحب بالعرايس .. تعرف يا أخ (منعم) .. من ساعة ما سيطرنا على المملكة، وأنا بفكر أعمل فيك أيه .. المعلومات المتوفرة عندنا عنك بتقول أنك رمز كبير قوي .. ولو فكرت أقتلك هتقوم ثورة ومش بعيد أخسر مملكة كسبتها بأقل مجهود .. ولو حبستك مضمنش أيه اللي هيحصل قدام .. مش بعيد تعملي فيها ثورجي وتخرب الدنيا .. ما أنا عارف دماغك .. يبقى الحل أيه ..؟

يبتسم (منعم) وقد أدرك نوايا (آلاتس) :
•    قلت تجوزني (سنية) .. مش كده ..؟
•    أيه .. أنا أتجوز واحد شغال عندى .. مش ممكن .. أنا مش موافقة

يا عالم حد يفهم الأخت دي .. مش فاهم بقت أمبراطورة أذاي ..؟

•    شغال عندك أيه يا خالة ..؟!!!!، دلوقت أنا الأمبراطور .. أنا الكل في الكل دلوقت، وأنتوا الأتنين أسرى أعمل فيكوا اللي أنا عايزه .. فهمتي وله لاء ..!!؟؟؟؟؟
•    يعني أيه .. هتجوزوني البتاع اللي أسمه (منعم) ده، طب .. طب ده مبيعرفش يرص المعسل ...!

يالهويييييييي .. أعمل أيه .. أعمل أيه يا ناس، تعرفوا كان نفسي تتنيل في الحرب .. أنما الحظ تقولش محجبة، حاجة غريبة.

ماعلينا .. أمام الجموع الغفيرة _ أبيض وأحمر _ تجري مراسم الزفاف، أو فلنقل مراسم القضاء على أمل المستعمرة في النجاة .. على (منعم)، آمال أنتوا فاكرين أيه .. المعنى الوحيد والنتيجة المعروفة لإى زواج داخل مستعمرات النمل هو القضاء على الذكر .. تلك هى تقاليد النمل ومبادئه .. عليه العوض يا (منعم) عليه العوض .

•    أنما قولي يا (نعنع) هنقضى شهر العسل فين ..؟!!!!!!!!!!!!!

تمت بحمد الله
Read More

22 يوليو 2003

ضُعدفة على الطريق

يوليو 22, 2003 0
مشكلة هي، معقدة بالتأكيد، وصعبة الشرح للغاية
قد لا تجد من يأبه بها، بل والأغرب أن الجميع يظن أنها ليست بالمشكلة من الأساس..!!

من جديد أعود لكتابة هذه المذكرات
كنت أظن أنها مرة ولن تتكرر.. ولكن يبدو أن الإمساك بالقلم أسهل من إفلاته

أظن الجميع يعرف الآن فريقي المتواضع، فلا داعى لإعادة سرد الوصف السابق مرة ثانية إلا لو كان هناك من حضروا للمرة الأولى.. ولهم أقول أهلاً ومرحبًا.. هنا تجدوا ما يسركم..

وعشان خاطر الحبايب
هاكم وصف ع الطاير لأعضاء الفريق

الزعيم _ أنا بلا فخر _ (حُسحُس)، وأنا كما تعلمون طفل هادىء جدًا.. بسيط جدًا.. متواضع جدًا جدًا.. تشرفت بزعامة مجموعة من المعاتـ... المبدعون وهم

(بسبس).. أطول أعضاء الفريق.. وأكثرهم ضحكاً.. جل ما أخشاه أن نضطر يومًا لهدم دورين من قامته.. خاصة وهو مستمر في الطول بلا توقف.. وصل الآن إلى 122.5 سنتيمتر..!!

(طاحونة).. مهندس الصيانة بالفريق.. بواجير يصلح.. لعب يصلح.. ثمة أعتقاد قوى بأنه في سبيله إلى مهنة غاية في الأهمية.. عجلاتى.

(العشوائى).. آه.. بماذا أصف هذا الـ.. الـ.. العشوائى.. بصوته العالى الذى يمكن أن يصل القمر دون مركبة فضاء.. أم بقدراته البدنية التى تؤهله للنجاة _ وحده _ من كل المقالب التى يتعرض لها الفريق.. أم بولعه غير المبرر بعصير الجزر.. المهم أنه قائد المؤخرة _ وأول الهاربين عندما تتعقد الأمور _ وحامى حمى الفريق.. هذا يكفى إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولا.

طبعًا هذه الأسُطر ليست بالجديدة عليكم..
ماهو الجديد أذن..؟

لا تتسرعوا..
أنظروا لأسفل وستعلمون ما الجديد...

أنتم تعلمون أننا _ انا وأعضاء الفريق _ نُقيم في حى واحد، مما سهل بعض الشىء من تعميق الصداقة فيما بيننا، وفي نفس الوقت خلق منافسة _ عادية جدًا لو أستثنينا المعارك وزجاجات الميكروكروم _ بيننا وبين فريق (البعبيع)، أظننى ذكرت شيئًا عنهم في الصفحة السابقة نحن وأنتم والعصفور(إضغط هنا لقراءة المغامرة الأولى من هذه السلسلة).

فريق (البعبيع) هذا هم منافسينا على زعامة المنطقة، هم الشوكة التى زرعها القدر لتقف بيننا وبين السيطرة على مُجريات الأمور في الحى الذى نُقيم به.

السؤال الآن.. من هم (البعبيع)..؟
صدقوا أو لا تصدقوا.. فريق (البعبيع) هذا يتكون من ثلاثة أطفال يقيمون في مبنى واحد..!
فتى وشقيقتان..!!
ثلاثة أفراد.. ومع ذلك نعجز نحن الأربعة عن إزاحتهم من طريقنا.. ويال العجب..!!

أسف هل أطلت..؟
حسنًا إليكم الوصف التفصيلى لهؤلاء الـ.. (البعبيع).

لنبدأ بزعيمهم.. (شاكولى).. لا أعرف معنى هذا الأسم الغريب.. ولكنه أينما ومتى ألتقينا.. يُصر على أنه أسم زعيم من زعماء حضارة المش عارف أيه.. التى كانت تُسيطر على مساحات شاسعة من الأرض منذ ما يقرب من كام ميلون سنة.. وهو يعتقد أنه بهذا الأسم _ سليل تلك الحضارة التى لم أسمع عنها _ من حقه أن يرث الزعامة.. وهل الزعامة تورث..؟.. أنها موهبة.. علم.. والعلم لا يُكيل بالبتنجان.

هذا الـ.. (شاكولى).. لونه أزرق.. نعم لم تخطئوا قراءة الكلمة.. لا أعنى بالطبع أن لون بشرته أزرق.. أنما أعنى ملابسه.. أينما رأيته لا تجد إلا اللون الأزرق مُسيطر على كل ما يرتديه _ بالذمة في زعيم أزرق _ وهو يقاربنى طولاً ووزنًا وعمرًا بالطبع.. في عينيه نظرة يُصر هو على أنها نظرة زعيم بالفطرة.. وأُصر أنا على أنها نظرة شخص لم يرى الماء من أربعة أشهر...!!!

والآن الفتاتان..
هما شقيقتان بالطبع.. الكبرى تُدعى (هيمبوكيمبو) ولا تسألونى عن معنى الأسم.. هذا الفريق يختار أسماء لا أعرف عنها شيئًا.. عمرها ثمانية سنوات تقريبًا.. وهى كأى فتاة في هذا العمر لا تراها إلا وفي يديها (مصاصة) أو (لبانة).. ولكن الأخطر من وجهة نظرى أنها تُجيد أستعمال كل أنواع سكاكين المطبخ.. وبمنتهى البراعة.

تقول أنها تُعد نفسها لكى تغدو طبيبة في المستقبل.. ولكننى غير مُقتنع.. هذا الفريق تحوم حوله شبهة تشريح الحيوانات الأليفة.. وإلا فأخبرونى بالله عليكم اين أختفت قطط المنطقة...؟؟!!!!

الصُغرى.. (بلووهبة).. هل صدقتم الآن.. أخبرونى أذن ما معنى هذا الأسم أيضا..؟ , عمرها سبعة سنوات تقريبًا.. وهى كأختها.. تُعد نفسها لمهنة الطب _ مش عارف أيه الحكاية البلد كلها حتبقى دكاترة آمال مين اللى هيعيا _ وتُجيد أستعمال السكاكين بدورها.

جل ما أخشاه أن تتطور المنافسات بيننا يومًا.. وأفيق أنا وفريقي لنجد أنفسنا راقدين على مائدة تشريح.. وحولنا يقف
(البعبيع) يبتسمون.. ويصيحون " أنتم تضُحون في سبيل البشرية والتقدم العلمى ".

<><><><><><>
لماذا هذا التعنت والأنانية الواضحة من الأهل..
لماذا الإصرار غير المبرر على حرمان الأطفال من كل المتع التى يحلُمون بها.. لماذا..؟

لماذا يُصر الأهل على الدوام.. منع أطفالهم من إقتناء الحيوانات الأليفة..؟!
ما هو المبرر..؟

ما المشكلة في أن أقتنى ضُعدفة..؟
وهل الضُعدفة تحمل نوع من أنواع الوباء.. ؟
لو كانت.. فلماذا هى مُطلقة الصراح.. ؟، أينما ذهبت تسمع صوتها وكأنها صارت علامة من علامات المجتمع العجيب الذى نحيا فيه و الــــ..............

مهلاً..
هل تعرفون ما هى الضُعدفة..؟
قطعًا بعضكم قد خمن من الأسم، والبعض يصرخ إن لم أشرح هذه الكلمة الغامضة فسيكون عقابه صارمًا..
نياهاهاهاهاه
ومنذ متى يهتم الأطفال بالعقاب..
علقة تفوت ولاحد يموت..

تسألون.. ما هى الضُعدفة.. ؟
ببساطة أنها ذلك الكائن الصغير المتواثب، صاحب أشهر الأصوات في المملكة الحيوانية إزعاجًا.. النقيق

هل عرفتم ما هى..؟
برافو.. بالضبط.. نعم نعم.. أنها ما تقولون
ولكن أسم ضفدعة هذا لا يروق لى.. لذا فقد أطلقت عليها ذلك الأسم الجذاب
ضُعدفة.. أسم شيك.. أليس كذلك..؟!!

الآن عرفتم ما هى الضُعدفة..
ينبغى أن تعرفوا ما المشكلة..
حسنًا.. أنصتوا.. أو تابعوا القراءة.....

كان هذا ثالث أيام الإجازة الصيفية.. بعد إنتهاء أختبارات نهاية العام التى لا أعلم هدفها بالضبط.. هل هى تفريغ لرؤوسنا الصغيرة من حشو العام الدراسى..؟، أم برهنة على أننا أستوعبنا هذه الأشياء..؟!!!

لو كان السبب الأول فقد نجحوا معى بأمتياز.. أما السبب الثانى.. فأعتقد أننى سأستعد من الآن لوابل من الصفعات والركلات على النتيجة غير المتوقعة، وقد أعتدت هذا على أية حال..!!!!

حسنًا.. ماذا كنا نقول.. آه
ثالث أيام الإجازة الصيفية.. الفناء الخلفى لمنزلى.. حيث مقر أجتماعات الفريق
أجلس على الصور القصير، جوارى (العشوائى) يلوك قطعة جزر، وأمامنا يقف (بسبس) و (طاحونة).. وكل منهما يحمل عصا خشبية في يده..

• تشا سارايانا
صرخ بها (بسبس) رافعًا عصاه إلى مستوى كتفه
• جوانغ سارايانا
رد بها (طاحونة) مطوحًا عصاه نحو رأس (بسبس)
• كيوه سارايانا..
• آى..
الكيوه هذه من (العشوائى)، أما (آى) فمنى أنا _ طبعًا _ وهى رد فعل طبيعى لو كنت تجلس مكانى إلى جوار هذا
الـ... (العشوائى)

أعتقد أنكم بحاجة إلى تفسير، حسنًا..
ما ترونه أمامكم الآن هو تدريب خاص أبتدعته بنفسى _ بإعتبارى الزعيم _ لكى يصير _ يُصبح _ أفراد الفريق ذوى قدرات قتالية تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم..

تدريب بالسيوف الخشبية...
تشا سارايانا.. تعنى (ده آخر إنذار.. بعد كده ما ترجعش تعيط).
جوانغ سارايانا.. معناها (يا عم أنت حتمثل.. خلص خلينا نشوف اللى بعدك).
أما كيوه سارايانا.. فهى جملة الفصل والختام قبل الإشتباك.. وتعنى (عايزين دم.. عايزين دم).
ولقد كنـ.....

• سوان هتشاه سارايانا
كانت هذه من (طاحونة)، هذا الفتى يتقدم بسرعة في تدريبات الفريق
وهذه الجملة تعنى أنتصار أحد المتعاركين بالطبع.. ومعناها (من ده بكره بقرشين.. من ده بكره بقرشين).

أقترب (طاحونة) مطوحًا سيفه يمينًا ويسارًا، بينما ينفض (بسبس) الأتربة عن ملابسه:
• شوفت يا زعيم.. أدينى غلبته تانى
• براوة عليك يا (طاحونة).. ده أنت فلة
• يا (عشوائى) حرام عليك.. أنا كل يوم هغير ودن وله أيه
• هنعمل أيه دلوقت يا زعيم
• شوفوا يا ولاد.. أحنا هنـ......

آق.. آق.. آق
ثلاثة (آق) تبعها قفز كائن صغير الحجم أمامنا، وأختفائه بين أعشاب الفناء
(العشوائى)، وقد هب من مكانه فزعًا ينظر إلى المكان الذى أختبأ به الكائن:
• أيه ده يا زعيم..؟
ببساطة أجيب وأنا أتجه بدورى صوب مكان إختفاء الكائن:
• دى يا (عشوائى) مش ده..!، دى بقى يا سيدى ضُعدفة
• ضُعـ.. أيه
• ضُعدفة يا (بسبس)، أيه أحنا مش شوفناها في المدرسة لما أبلة العلوم وريتنا الصور بتاعتها..؟!

أستغرق الأمر نحو نصف ساعة لتذكير أعضاء الفريق بكينونة الضُعدفة ضمن الموسوعة الحيوانية
ثم نصف ساعة آخرى في محاولات مستميتة للإمساك بها.. وبعد أن نجحنا وتمكنا من السيطرة على الموقف، دوت الصيحة في سماء لهونا الصافية كالرعد المدمر:
• ولد يا (سمسم).. أيه اللى معاك ده.. ؟
• دى ضُعدفة يا ماما
• ضُعـ... أيه..؟، سيب اللى في أيدك ده يا ولد وتعالى هنا حالاً، أتحرررررررك.

<><><><><><>
• ما المشكلة في أن أقتنى ضُعدفة..؟، وهل الضُعدفة تحمل نوع من أنواع الوباء.. ؟، لو كانت.. فلماذا هى مُطلقة الصراح.. ؟، أينما ذهبت تسمع صوتها وكأنـ..........

لا داعى طبعًا لأن أصف لكم باقى المناقشة بينى وبين والداى، يكفى أن أقسم أن رأيهم يمتلىء بالبيروقراطية والإمبيريالية المندفعة بلا مبررات

أنهم حتى لا يعلمون لماذا الإصرار على تلك الكلمة العجيبة التى لايقولون غيرها ((لاء يعنى لاء)).

وهكذا.. حاملاً أطنانًا من خيبة الأمل، والإحساس بعقدة الغيبوبة اللاشعورية

أتخذت طريقى إلى غرفتى غير معتزم الإستسلام على الإطلاق، بالضبط كما قلت في أول أجتماع بعد فك الحصار

• الأستسلام معناه الرضوخ للأمر الواقع.. وأحنا مش عيال عشان نسمع الكلام
• تمام يا زعيم.. بس يعنى أيه رضوخ

محادثات عادية جدًا، تمت بينى وبين أعضاء الفريق، لا جديد على الإطلاق سوى التصميم على رعاية الضُعدفة، لأن وكما قلت ((طريق التنازلات يبدأ بخطوة)).

بدأنا حملة منظمة لرعاية الضُعدفة المسكينة، أحضرت أنا علبة كبيرة من (الكرتون) لتكون بيتها، وأحضر (بسبس) طبق كبير من (البلاستك) لكى تمارس فيه رياضة السباحة، بينما تكفل (طاحونة) بإحضار (باطنية) حتى لا تشعر بالبرد، وأخيرًا (العشوائى) جاء خالى اليدين إلا من قطعة جزر يلوكها كالعادة

• أيه يابنى، أحنا مش أتفقنا كل واحد يجيب حاجة
• أيوة يا زعيم بس هجيب أيه، ما أنا مش عارف

أطرقت برأسى مفكرًا، حقاً ماالذى ينقصنا..؟
• الأكل يا (حُسحُس)، المفروض نجيب أكل، وله هنحبسها في العلبة دى من غير أكل
• لاء طبعًا يا (بسبس)، بس هنأكلها أيه..؟
• همممممممم، سيب الحكاية دى عليا يا زعيم

قالها (العشوائى) وأختفى لدقائق، ثم عاد حاملاً كمية هائلة من عصير الجزر:
• تفتكر العصير هيعجبها يا زعيم..؟!

طبعًا لم يكن الأمر سهلاً..
وتوالت الإكتشافات.. الضُعدفة لا تحب العزلة.. لا تأكل الجزر..!.. لا تحب السباحة في طبق (طاحونة) وقد كاد يقتلها لهذا لولا منعناه في اللحظة الأخيرة.

ما علينا..
الآن وبعد الكفاح الرهيب اليومى لإعادة الضُعدفة إلى منزلها (الكرتون)، وبعد ساعات من اللهو والركد خلفها، يعود كل منا إلى منزله.. مُنهك.. مُغطى بالقاذورات..!.. التى لاأدرى من أين تأتى بالضبط..؟

كل شىء كان يسير بمنتهى الهدوء والجمال، لعب كل يوم.. مرح وصخب و...
حتى ظهر (البعبيع) في الصورة.

وقبل أن ندرك ما حدث أكتشفنا إختفاء الضُعدفة
ووجدنا رسالة من (البعبيع):

ساهموا في تقدم البشرية

<><><><><><>
الوقت يمضى..
ثانية.. فدقيقة.. فساعة.. فيوم.. فأسبوع..فـ
بإختصار.. الوقت يمضى..
ولا أخبار عن الضُعدفة..

ظننت أن هؤلاء (البعبيع) سيطلبون فدية.. أو شىء مشابه لكى نستعيدها، وفي نفس الوقت يربحوا هم نقطة هامة ضدنا، في تنافسنا المحموم على زعامة المنطقة، ولكن هذا لم يحدث.

إذن..
لا يوجد إلا حل واحد.. العيال دى شرحت الضُعدفة
يبقى هما اللى جنوا على نفسهم..
واحد أتنين سارايانا.. (بمعنى.. أنا كنت بفكر في التفاوض بس هما اللى غدروا، يبقى يستحملوا، هع هع).

(شاكولى) معدلاً وضع عويناته:
• بتقولى وزنها كام
(هيمبو كيمبو) تبتسم بثقة:
• 12 ميجا جيجا يا (شاكولى)
(بلووهبة) وهى تعبث بسكينة:
• لاء لاء يا (هيمبو)، مش ممكن حاولى توزنيها تانى.. التجربة كده مش حتنفع

كنت أقف _ ورفاقى بالطبع _ أمام المقر السرى لجماعة (البعبيع)، المقر الذى يحسبونه سريًا، وكيف يكون وهو بلا جدران أو سقف، ضُليلة شجرة (هل سمعتم هذا الوصف من قبل.. لا أظن..؟).

كنا نتابعهم وقد أرقدوا ضُعدفتنا الحبيبة إلى منضدة خشبية.. موصلين جسدها بعدة خراطيم وأسلاك
هؤلاء الوحوش.. أحالوا المسكينة إلى مستودع تجارب.. ولكننا لن نصمت..
الموت في سبيل إستعادة (ضُعديعة)

وهكذا.. أنطلقت من حلوق أربعتنا.. تلك الصيحة الخالدة المرعبة.. (تشا سارايانا).

• شانكولى بلابش فلنيش
• جوانغ سارايانا
• شنكل بلالايص
• كيوه سارايانا
• شنكليت ملاشن

آه.. كان أحتكاكاً مريعًا.. لن أنساه ما حييت.
المشكلة أننا أكتشفنا أن هؤلاء الـ (البعبيع) لديهم أسلوب قتالى متفرد يطلقون عليه (الشنكليت).

لم تكن المعركة ذات نتائج مبهرة كما توقعنا وأعددنا..
بل _ لو أردنا الحقيقة _ كانت نتائجها مفزعة..

(بسبس) و (طاحونة) لن يمارسا تدريب السارايانا لما يزيد عن ثمانية أشهر
(العشوائى).. آه مسكين (العشوائى).. المؤسف أن ماحدث له سيمنعه من تناول عصير الجزر لعام كامل على الأقل.!

صحيح أننا جُرحنا..
ولكن هذا لا يعنى أن (البعبيع) نجوا بلا سوء
الشقيقتين (هيمبو كيمبو) و (بلووهبة) لن تجرؤا على الإمساك بالسكاكين مرة آخرى.

أسمع البعض يتسأل..
وماذا عنى.. وأين الضُعدفة.. هل أستعدناها.. وماالذى أصاب (شاكولى) زعيم (البعبيع)..؟
ألن تكفوا عن التسرع..
كل شىء بآوان

لو أننى حكيت كل شىء هنا..
فماذا أكتب في الجزء الأخير..؟!!

<><><><><><>
المُجمع الطبى للكسور
القاهرة في 22 /7 / 2008
خالو العزيز منير
بعد التحية والسلام.. والسؤال عن العسلية والملبس..؟

بكتبلك الجواب ده وأنا راقد على سرير العيانين، في مستشفى مش عارف أيه دى اللى جنب بيتنا، بتاعة الناس المكسرين

ماما وبابا جابونى هنا من يومين، والدكتور قالى لازم نجبس رجلك، مش عارف ليه مع إنها مش بتوجعنى
هما بيقولوا أنها مشروخة، بس أنا مش فاهم، أذاى رجلى تتشرخ، هى إزاز..!!!!!!

فاكر الجواب اللى كنت بعتهولك من أسبوع، أوعى متكونش قريته
اللى حكيتلك فيه عن الضُعدفة، لو كنت قريته حتفتكر، ولو ماكنتش هاته قوام

طبعًا أنت عايز تعرف أنا أيه اللى جابنى المستشفى..؟، وأيه اللى شرخ رجلى.. مش كده..؟

أقولك..
ذى ما حكيتلك قبل كده، من ساعة ما عرفت أن العيال (البعبيع) هما اللى خطفوا (ضُعديعة) وأنا حلفت أنى هرجعها
حتى لو كانت جثة..

فضلت أراقبهم أناوالفريق _ (طاحونة و بسبس و العشوائى) _ لحد ما عرفنا المخبأ بتاعهم، وهجمنا عليهم
(بسبس) و (طاحونة) أنقضوا م اليمين والشمال و أنا في القلب، و (العشوائى) كالعادة كان بيحرس المؤخرة

وهب..
عينك ما تشوف إلا النور
كام (تشاسارايانا) على كام (شنكليت ملاشن)
وطاخ ديب ذووووووووووووو

الدنيا بقت ضلمة..
الفريق بتاعى كله باظ.. محدش نافع غير (العشوائى).. بس ياحرام مش هيعرف يشرب جزر تانى
وكمان فريق (البعبيع).. الواد الزعيم بتاعهم (شاكولى) راقد في السرير اللى جنبى، مسكين مش باين غير عينيه

أيه.. دُنيا..
لكن تعرف يا خالو..
أكتر حاجة مفرحانى إن الضُعدفة مامتتش
أيوه..

ده اللى أكتشفناه بعد المذبحة
أصل أحنا لما هجمنا على العيال (البعبيع) _ في المقر بتاعهم _ شفناهم حطين (ضُعديعة) على طرابيزة خشب
وفي سلوك وخراطيم كتييييييير متوصلة بيها.

أفتكرناهم بيشرحوها..
وبدل ما نتفاهم.. نزلنا دب ف بعض
وياريت على حاجة صح
البتاعة اللى كانت على الطرابيزة طلعت لعبة..

أيوه..
لعبة بلاستيك.. كانوا بيلعبوا بيها

معلش أحنا أتسرعنا شوية
كان المفروض نسألهم الأول

بس أنت عارف أحنا عيال
كنا هنعرف منين أن الضُعدفة زهقت من الحبسة وهربت
كنا هنعرف منين أن الورقة اللى العيال (البعبيع) بعتوها، قصدهم على شوية الظلط اللى خدوه من جنينة البيت

هما برضه غلطانين
مش كده يا خالو
مش كده..؟!!!

سلام يا حبيبي
أوعى تنسى الملبس والعسلية
(سمسم)
تمت
Read More

15 يونيو 2003

نحن وأنتم والعصفور

يونيو 15, 2003 0

هناك أسطورة، وهناك شهود على أنها ليست بالأسطورة
هناك من يصغي إلينا، من ينقل أخبارنا ويشي بإسرارنا، ذلك الوغد ذلك الـ .....

***********
-1- نحن
هممممممممممممممم
حقيقة لا أعرف كيف ابدأ.. ولى عذرى.. فأنا وكما تعلمون مجرد طفل لم يتخطى العاشرة بعد..
المفروض أن أصف لكم نفسى وأصدقائى (فريقي الخاص) في هذه المساحة الضيقة..

لكن ........
أى وصف ترغبون..؟
هذا أسمر، وهذا قصير، وذاك له يد واحدة..
رجاءً.. لا تنفثوا زفيركم بكل هذا الضيق..
سأحاول الأختصار، وسأبدأ بنفسى.. ألست الزعيم؟

أسمى (سمسم) طبعًا هو أسمى حركى (كل زعيم له أسم حركى)
أسمى الحقيقى ..؟، لا داعى لأن تعرفوه (أمى علمتنى ألا أثق بالغرباء)
عمرى تقريبًا عشر سنوات، لست متأكدًا بالضبط.. فأخر شىء أجيده هو الحساب والأرقام

كيف أبدو..؟
سؤال وجيه، وأجابته بسيطة.. لو أن لكم أشقاء في مثل عمرى ستدركون شكلى بالضبط، كل الأطفال تتشابه ملامحهم في هذا العمر، مجرد شيطان صغير يرتدى شورت وتي شيرت وكوتشي (باتا على الأرجح)، وفي المعتاد تحمل ملامحه براءة لا تعرف تصرفاته لها معنى.

والآن رفاقي أو أفراد الفريق..
منذ وعت عيناى هذا العالم ولى من الأصدقاء ثلاثة لا نفترق أبدًا، وقد ساعدت أقامتنا في حى واحد على تقاربنا أكثر

أولهم أسمه ( بسبس )
له أسم حركى آخر ولكنه طويل جدًا، وملىء بالواوات، في مثل عمرى تقريبًا أو أقل ببضعة أشهر، وهو أطولنا أذ يقترب من المائة وعشرون سنتيمتر (طول فارع)، سريع الملاحظة للغاية، ونظرًا لهاتان الصفتان فقد كنا نستغله كمنصة متحركة للمراقبة والأستشعار عن بعد، وهو لا يكف عن الضحك طوال الوقت.

ربما نفكر في عرضه على طبيب نفسي في المستقبل.

الثاني (طاحونة)
أسم عجيب لكنه يناسبه تمامًا، أقصرنا إذ لم يتجاوز الستون سنتيمتر، وربما لهذا لا يكف عن طحن وتحطيم كل ما يقع بين يديه.

عقدة آخرى.. أعتقد أننى سأعرض الفريق بالكامل على طبيب نفسى

ورغم هذا فـ (طاحونة) مفيد جدًا، يكفى لأثبات هذا أن تعلموا أنه عبقري في فك وتجميع كل أنواع اللعب والأدوات الكهربية، رغم أن الأمور دائمًا ما تنتهى به إلى اللوم والتقريع.

الثالث، وكما يقولون ختامُها مسك.. (العشوائى)
قائد جناح المؤخرة، في المعتاد عندما تبدأ واحدة من عمليات الفريق يكون هو المسئول عن حراسة ظهورنا وهو بارع في أمور الحراسة إلى حد لا يوصف، لهذا فهو الوحيد الذى لا يصيبه أى خدش!!.

قوى البنية ربما بسبب ولعه الشديد بأكل الجزر، لم أرى في حياتي من يعشق الجزر مثله.
أنه يضعه في الشاي بديلاً عن السكر.

هل وصلتكم الصورة..؟
ماذا، كيف أصبحت الزعيم..؟
ولماذا لا أكون.. ؟، في العادة لا يسئلون الزعماء والقادة لماذا هم كذلك..؟، بل يسئلون لماذا لم يغد العالم كله زعماء..؟

***********
-2- أنتم

لحظة ..
لا تديروا وجوهكم .. مخطئون لو تصورتم أننى سأواصل لعبة الوصف السابقة، لماذا..؟
ببساطة، لأن هذه طبيعة الزعماء ولا أحب الكشف عن مكنونات عواطفى تجاه أعد........
أقصد تجاه الطرف الآخر ..

حسنًا لماذا وضعت هذا العنوان ..؟
همممممممممم
أنا عبقرى .. وتوقعت هذا السؤال
وطبعًا أعددت له جوابًا مُفحمًا

ما هو ...؟
أن أضعكم في الصورة .. أن تعلموا بالضبط مع من أتعامل وأتناقش و......
وأصارع ..

نعم أصارع.. لم تخطئوا القراءة
إن حياة الطفل منذ مولده إلى أن يغدو شابًا فتيًا ما هى إلا حلبة مصارعة البقاء فيها للأقوى والأكثر ذكاء.

***********
- 3- المشكلة

نهار عادى .. الشمس تبدأ رحلتها اليومية وتنتشر أشعتها في كل مكان وصوب.. تطرد الخوف والظلام والجراثيم، والأطفال من أسرتهم (جمع سرير أو فراش باللغة العربية)، إلى الشوارع الفسيحة.

أجلس أنا و(طاحونة) و(العشوائى)، على السور الخلفى القصير لمنزلى في أنتظار وصول (بسبس)، كل منا يُمسك في يده مجموعة من الحصوات الصغيرة (ظلطة يعني)، نتسلى بقذفها على الحائط المواجه لنا.

بالمناسبة هو حائط منزل (طاحونة)، حائط عادى جدًا لا يميزة إلا نافذة مزكرشة بالعديد من الألوان والأشكال المتداخلة، تلك النافذة التى أخبرنا (طاحونة) أن والده قد أشترى زجاجها بمبلغ كبير بعض الشىء.

كانت محاولاتنا البسيطة تعتمد على أصابة نقطة معينة حددناها سابقاً أسفل النافذة مباشرة.
• دورك يا (سمسم)
صوت (العشوائى) .. لو أننا في واحدة من مهمات الفريق لأنهالت علينا قذائف الأعداء، هذا الفتى لن يتعلم طريقة لخفض نبرات صوته أبدًا
• طيب .. بص منك له، يمكن تتعلموا

وهكذا أتخذت وقفة مميزة واضعًا يمناى في وسطى، ويدي اليسرى تُمسك الحصوة وتوجهها بأتقان نحو البقعة المقصودة، شهيق زفير، الآن، و ........ طاااااااااخ ، أصابة مباشرة فى الطرف السفلى للنافذة، بضعة سنتيمترات وكانت إصابة الزجاج أمر حتمى.

• يا سلام .. أيه الحلاوة دي يا زعيم
التفتنا جميعًا إلى مصدر الصوت، خمنوا .. بالطبع كان (بسبس)، يقف حاجزًا ضوء الشمس بطوله الفارع عن عيوننا، مستندًا إلى حائط منزل (طاحونة)، وأبتسامة عابثة تغلف وجهه بالكامل.
• أتاخرت ليه يا (بسبس)
• أسف يا زعيم، الحصار كان جامد النهاردة

هممممممم
أعتقد أنكم تعلمون ماهية هذا الحصار، أنهم والديه بالطبع، الحقيقة أننى لم أتمكن (رغم قدراتى كقائد وزعيم) من فهم الأسلوب الغريب الذى يتعامل به الأباء مع أبنائهم، الكثير من الشدة والنظرات الثاقبة، وقاموس كامل من عبارة واحدة ((لاء يعنى لاء))، كم أتمنى أن يُسرع بى العمر وأغدو كبيرًا لأفهم من أين أتت هذه العبارة التى طالما تقلب لحظات النشوة إلى بكاء ودموع، أود أن أعرف من مخترعها..؟، (سامحه الله).

• حنعمل أيه النهاردة يا زعيم
أنتزعنى سؤال (طاحونة) من أفكارى، فأسندت رأسى إلى قبضتى اليمنى ورحت أجول ببصري بين وجوه رفاقى، حقاً ماالذى سنفعله اليوم ..؟

هل نستمر في مضايقة جارتنا العجوز ونقلب لها أنية الزهور التى تضعها أمام باب منزلها..؟، أم نبدأ في مطاردة القطة المشمشية ..؟، أم نقتحم المقر الخاص بفرقة البعبيع (منافسينا على زعامة المنطقة) ونتعارك معهم كالعادة ..؟، أم نبدأ في لعب الكرة التى لا يجيد رفاقى إلا الركض خلفها .. على الرغم من الدروس المستمرة التى أعُطيهم أياها في كيفية التعامل معها، أم نذهب إلـ ..........

• أيه يا زعيم، سرحت ف أيه ..؟
واضعًا يدي في أذنى التى أقترب من فقدانها للأبد:
• بصراحة مش عارف يا (عشوائى)

ثم واقفاً محاولاً أن أرسم أقصى درجات السرور على ملامحى:
• أيه رأيكوا أنتوا، النهاردة أنا حسبكوا تختاروا، وأعتبروا ده تدريب على الزعامة
• واو .. تدريب، وماله يا زعيمنا، بس أدينا فرصة نفكر

عدت أجلس مكانى بينما هب ثلاثتهم ووجوههم تحمل أقصى إمارات التفكير، وأخذ كل منهم يروح ويجىء وكأنه يطارد خياله على الأرض، ودون أن نشعر مر الوقت كالصاروخ وبدأت الشمس رحلة الغروب، تجذب الظل والنسمات الرطبة، والأطفال إلى منازلهم.

الأوغاد أضاعوا يومًا كاملاً في التفكير، ولكنها فكرتى أنا من يستحق العقاب على سماحى لهم بالتفكير.

• وجدتها يا زعيم
قطع هُتاف (بسبس) شبكة أفكارى المتسلسلة، فنظرت له وكلى لهفة وأشتياق:
• قول يا (بسبس)
• أحنا نـ ........
• (سمسم) .. ولد يا (سمسم) تعالى هنا، كفاية لعب بقى

سبق السيف العذل يا عزيزي (بسبس)، لقد حان وقت المغادرة.

وهكذا وبعد أن تبادلنا نظرات الأسى وخيبة الأمل، أتجه كل منا إلى منزله، فقفزت معتليًا السور القصير، وأتجهت من فورى إلى باب المنزل، حيث وقفت والدتى تستقبلنى بأبتسامة لم أرتح لها أبدًا، وقبضت على أصابعى تجذبنى للداخل:

• هاه، عملت أيه النهاردة
• ولا حاجة ياماما، كنت قاعد عند السور مش بعمل حاجة

وهى تنظر في عيني مدققة متشككة، وكأنها تنتزع منى أعترافاً:
• صحيح، آمال مين اللى كان بيحدف ظلط على شباك عمك (سمير)، أيه سكت ليه ..؟

علت وجهى نظرة بلاهة، سرعان ما تحولت إلى إرتعاشة خفيفة:
• مين اللى قالك يا ماما 
وهى تبتسم مصطنعة الغضب:
• يعنى حصل، عمومًا العصفورة قالتلى

هكذا ببساطة ألقت قنبلتها وأنصرفت دون أن تمنحنى فرصة للرد أو المناقشة، لكن هيهات، لست أنا من يستسلم بسهولة، لن تنطلى على عقلى (كعقل زعيم) هذه الخدعة الساذجة.

الحقيقة أن سماعى لحكاية العصفور الواشى هذا لم تكن أول مرة، في البداية كنت أفغر فاهى غير مصدق أو مستوعب، ومع تكرر الأمر صار سخيفاً للغاية، ولم أعد أحتمل، في الأمر خدعة ما، أكاد أقسم بشرف الزعامة، وسأثبت هذا سأثبـــــــــــــــته.

***********
- 4- العصفور 

حسنًا أظنكم تضحكون الآن.. 
لا تنكروا، ومن فضلكم بعض الهدوء.. الأمر بالنسبة لى جاد للغاية.

كل طفل في هذا العالم يعرف تمامًا حكاية العصفور الذى يراقبه سرًا، وينقل كل تصرفاته إلى أهله،
ذلك الواشى الخائن بدلاً من اللعب معنا راح يراقبنا كأجهزة الردار.

وأنا طفل.. طفل عادى مثل كل أطفال العالم، لكننى أختلف في شىء بسيط أننى عبقرى و(زعيم).

لهذا قمت بطرح الأمر فى أول أجتماع لأفراد الفريق لعلى أجد جوابًا مناسباً عند رفاقى.

• عصفور بيتكلم .. أنا مش فاهم ..!
• وبعدين يا (عشوائى) .. وطى صوتك شوية أنا كده حبقى أطرش

يبتسم وهو يحك شعره:
• أوكية يا زعيم .. بس أنا برضه مش فاهم
• ولا أنا يا (سمسم) .. هى الحكاية أيه بالضبط

أدرت رأسى إلى (طاحونة) وقد أطرق برأسه أرضاً:
• وأنت يا (طاحونة) .. يعنى ما أتكلمتش ..؟
• بصراحة .. أنا موافق يا زعيم على كل اللى قلته .. لأن الحكاية دى بتتكرر معايا كل يوم

يمكن القول أن عبارة (طاحونة) الأخيرة قد أثلجت صدرى (ع الأقل عشان البرستيج) فلست وحدى من يتعرض للوشاية من قبل هذا الخائن.

• (طاحونة) .. أنت بتتكلم جد ..! ، فيه عصفور ماشى وراك وبيفتن عليك

يتنحنح ، ثم يقف مستندًا إلى جدار المنزل، ثم يتنهد ولا اللى حيقول سر القنبلة الميردوفيشنية، ويبدأ الحديث:
• الحكاية مش في العصفور يا جماعة، واضح أن في ثقب في الجدار الأمنى بتاعنا

عبارة صاعقة زلزلت كياننا تمامًا (الحق أن كل ما يلفظه هذا (الطاحونة) له تأثير رهيب)، حتى أننى ظللت طوال الليل أفكر في مسألة الجدار المثقوب هذا، وعندما أوشك الديك على الصياح كنت قد وصلت للحل.

***********
- 5 - نحن لا نعرف العصفور.. نحن لم نرى العصفور.. سنقتل العصفور بالطبع

أربعة أشباح تتسلل في ضوء الشمس الوليد على أطراف الأصابع تقترب من السور الخلفى لمنزل الزعيم (سمسم)، هناك شىء ما يحملونه في أيديهم، يبدو كما لو كان ...

• أيوه هنا، أنتشروا بقى ..

عجبًا، ماالذى يفعله هؤلاء الصبية ..!، شىء يبدو كشباك الصيادين يلقونه على أرضية الفناء الخلفى لمنزل الزعيم، كل منهم يُمسك بطرف والتحفز يثب من ملامحه، من أين جاءوا بهذا الشىء ..؟، ثم ما الذي ينثرونه على أرضية الشبكة

في أى شىء يفكرون ومـ ..........

• تفتكر ده كفاية يا زعيم
• ششششش، (عشوائى) أنت كده حتبوظ الدنيا، وطى صوتك لو سمحت

أنتهى الصبية من نثر ما يخيل لى أنه حبوب، آه .. الآن بدأت أستوعب الأمر، يبغون صيد العصفور الواشى، يال خيالهم الجامح.

لكن مهلاً ..، هناك حشد من الطيور يقترب من المصيدة التى أعدوها بالفعل، حشد كبير

• الحق يا زعيم، كل دى عصافير، ده كده الجدار الأمنى بتاعنا كله واقع

حقاً يالهم من أطفال، لقد تصوروا بعقولهم أن ذلك العصفور سهل المنال، لم يتصوروا للحظة أنه أسطورة، أسطورة سُطرت حروفها في زمان ومكان لا يعلم عنهم شىء إلا الله سبحانه وتعالى.

أسطورة ظلت وستظل إلى الأبد، تحتل ركنًا خفياً في عقل كل طفل على ظهر الأرض.

تمت بحمد الله
Read More

17 مايو 2003

عصابه عبده افندي

مايو 17, 2003 0
هذه القصه ربما حدثت وربما لم تحدث وربما لن تحدث ابدا، المهم ان نتخذ منها العبره والعظه في صراعنا مع الحياه

*****************
- عمو ممكن تعديني
إلتفت يمينا لأجد صبيا صغيرا لا يتجاوز عمره السنوات الخمس وعيناه فيهما نظرة تجمع التساؤل والتضرع معا

- ممكن يا حبيبي هات ايدك

انتقلنا الي الطرف الآخر من الشارع
- شكرا يا عمو

تكرر هذا المشهد اربعة ايام وفي اليوم الخامس وجدت نفسى مندفعا لمعرفة هذا الصبى الصغير
Read More

2 مايو 2003

أوقفوا هذه الدموع..!!

مايو 02, 2003
أشرقت شمس الصعيد، وأنقضت أشعتها الحارة كلفح النيران، لتُبخر إحساس النشوة الذى زرعته نسائم الليلة الماضية، و بدت زقزقة الطيور واضحة.. صاخبة، تُعلن ثورتها على هذه الحرارة الملتهبة، وهذا الجو الخانق، وعلى امتداد البصر ظهر موكب سيارات على بداية الطريق الصحراوى القادم من القاهره إلى محافظة سوهاج، سبع سيارات بدأت ملامحها تتضح شيئًا فشيئًا، حتى صار يفصلها عن مدخل المحافظه أقل من ثلاث كيلومترات، ومع شدة الحرارة وبراكين الهواء الساخن، التزم ركاب السيارات الصمت، خوفاً أن تُزيد الكلمات إحساسهم بهذا الجو، وداخل سيارة المقدمة، جلس شاب هادىء الملامح، يرتدى نظارة طبية، تنحدر دموعة غزيرة من أسفلِها إلى وجنتيه، وهو لا يكف عن التطلع إلى النعش الخشبى المُسجى أمامُه، وإلى جواره جلس شاب وسيم الملامح قوى البنيان، لا يكف عن الربت على كتفي الأول وكأنه يواسيه، وخلف عجلة القياده جلس شاب ثالث تنحدر دموعه هو الآخر فى صمت، وعلى المقعد المجاور جلس شيخ تخطى العقد السابع من العمر، يستند برأسه إلى زجاج السيارة وعيناه تحتجزان نهرًا من الدموع.

•    إلى أين اتجه الآن يا عماه...، لقد تخطينا مدخل المحافظة..!!؟

التفت العجوز إلى (محمد) قائد السيارة، وبدا لحظات وكأنه لم يستوعب السؤال أو لم يسمعه أساسًا، ثم هز رأسه فى بطء وهو يشير نحو طريق فرعى يبدو على مرمى البصر:
•    هناك، انحرف عند بداية الطريق، سأقوم بإرشادك أولاً فأول

مضت الدقائق بطيئة دون أن ينبس أىٍ من ركاب السيارة بحرف واحد، بإستثناء الإرشادات التى يُلقيها العجوز إلى (محمد) ويتبعها الآخير دون تعليق، حتى بدت شواهد القبور من بعيد، ومع رؤيتها أرتفع صوت الشاب ذى العوينات بالنحيب، فالتفت إليه العجوز مهدئـــًا:
•    رويدك يا (سمير) ليس البكاء من شيم الرجال..

ثم تهدج صوته وهو يتطلع إلى النعش الخشبى مكملاً:
•    كما أنه لن يعيد إلينا ما فقدناه، تمالك نفسك وكف عن البكاء......... رجاءً

توقف (سمير) عن البكاء بالفعل، والسيارة تقطع بهم عدة أمتار، بدت وكأنها الأمتار الأخيره، أمتار الوداع..........

<><><><><>
** يَأيتَهُا النَفُس المُطمَئِنةَ. آرجِعِي إلَى رَبكِ رَاضيًة مَرضِيًة. فَادخُلِي فِي عِبَدي. وآدخُلِى جَنتَِي **
صدق الله العظيم
(سُوَرة _الفَجر _ الآيات 30:26)

انتهت مراسم الدفن سريعه، وكأن الزمن يبخل علينا حتى فى لحظات الوداع القصيرة، أنصرفت جموع المعزين، ولم يعد باقيًا إلا هم، (سمير) وشقيقه (ثابت) و والدهما (عبد الله) وابن عمِهما (محمد)، وقف أربعتهم امام شاهد القبر، والدموع تنهمر على وجوههم فى صمت، غير مُصدقين أنهم وارو التراب أعز المخلوقات إلى قلوبهم
•    كفوا عن البكاء يا شباب.

التفت (سمير) و (ثابت) و (محمد) إلى العجوز (عبد الله) وهو يزيح آثار البكاء عن وجهه:
•    لقد أصبحت الأرض تحتكم وكأنها بحيره، ثم أنها رحمها الله اوصتنا بعدم البكاء

كان يبذل مجهودًا رهيبًا ليبدو امام ولديه وابن شقيقه متماسكاً رابط الجأش، والواقع أن قلبه مُمزق وكأن فصيله كامله تفرغت لطعنه لعدة اشهر دون مقاومه من جانبه، صحيح أن زوجته الراحله كانت تعانى مرضٍ عُضال، والأطباء أجمعوا على صعوبة شفائها، ولكنها لحظة الفراق، وما أصعبها على كل بشرى، مهما تظاهر بالبأس والجلد، والآن لم يعد امامه إلا تنفيذ الوصيه، الحفاظ على الأسره التى كونتها رحمها الله بالصبر والتعب:
•    هيا بنا، لقد قاربت الشمس المغيب، والأفضل أن نغادر الآن

انتهى من كلماته واتجه إلى حيث توقفت السيارة، فالقى الشبان الثلاث نظره أخيرة على القبر، ثم تبعوه فى صمت، فجلس (سمير) و (ثابت) فى الأريكه الخلفية، بينما احتل (محمد) مقعد القياده إلى جوار عمه (عبد الله)، وشرع يدير محركها
•    ما الأمر..؟، لماذا لا يعمل المحرك...!!؟

نظر (محمد) إلى (سمير) فى مرآة السيارة الداخلية، وهز كتفيه وهو يغادر مقعده لفحص المحرك:
•    لا آدرى لقد كان على مايرام، حقاً لا أدرى ما أصابه..؟؟!!

ابتسم (عبد الله) وهو يتابع (محمد) عبر زجاج السيارة وتمتم مداعبًا:
•    لعل المحرك يبغى إختبار قدراتك، الست مهندسًا ميكانيكيًا..؟

لم تلق دعابته رد فعل، فالتزم الصمت، وخيم الهدوء عليهم لبضع لحظات، قبل أن يغلق (محمد) غطاء السيارة ويعود إلى مقعد القيادة:
•    عجبًا، لقد نفذ الوقود..!!!

اعتدل (سمير) في مقعده وقد بدت عليه إمارات الإنزعاج:
•    ماذا....؟!!، ولكن كيف...؟!!، لقد قمنا بتعبئة كمية كافية من الوقود و.........

قاطعه والده (عبد الله):
•    لا بأس يا بنى، إنها إرادة الله، علينا أن نفكر الآن كيف نغادر هنا، قبل أن يحل الظلام..؟؟
نطق لفظ الظلام بطريقه تجمدت لها الدماء فى عروقهم، وحانت منهم التفاته إلى القبور، فأرتعشت اجسادهم وقفز إلى اذهانهم سؤال واحد

ترى ماذا يحدث لو لم يغادروا قبل حلول الظلام...........؟؟!!

<><><><><>
انتهى (محمد) من فحص محرك السيارة للمرة الرابعة، والتفت إلى عمه (عبد الله) الذي يجلس مُتطلعًا إلى القبور فى صمت:
•    المحرك سليم تمامًا، ولست ادرى كيف نفذ الوقود..؟و.......

هم (عبد الله) بالتعقيب لولا أن برز (سمير) من خلف السيارة وقد كست وجهه علامات الحيره:
•    الهاتف ايضًا لايعمل هنا..!!، كنت أظن أن محافظة سوهاج ضمن المناطق التى تمت تغطيتها بشبكات الإتصال
•    انها كذلك بالفعل..

التفت ثلاثتهم إلى (ثابت) الذى وقف عاقدًا زراعيه امام صدره، وأكمل:
•    كنت أظن أن عطبًا ما أصاب هاتفي، ويبدو أنني كنت مخطئًا، هناك أمر ما يعوق الأتصال هاهنا..!!

ابتسم (عبد الله) وهو يشير إلى (ثابت):
•    هكذا إذاً، أترُيد اثبات قدراتك كضابط شرطة..؟!، أخبرني هل تحمل سلاحك..!!؟
•    الواقع أنني أتفق مع (ثابت) فى شكوكه و....... مخاوفه

اِنتبهوا إلى (سمير) الذى بدَا التوتر واضحًا على ملامحه وهو يتابع:
•    الم تلاحظوا أن حراس المقابر قد أختفوا..؟!، نحن هنا منذ ساعة تقريبًا ولم نلمح أحدهم..!!!
•    ومن قال أن هناك حراس للمقابر هاهنا من الأساس

التفت الشبان الثلاثة إلى العجوز (عبد الله) وهو يتحدث دون أن تفارق عيناه شواهد القبور:
•    المنطقه هنا مقابر جماعية لعائلات محدودة ومعروفة من أهالي المحافظة، ولم يكن لها ابدًا حراس منذ تم إنشائها، وحتى هذه اللحظه

شد (ثابت) قامته وأعتدل متطلعًا إلى السماء التى بدأت تلُقي بخيوطها الحمراء إستعدادًا لقدوم الليل:
•    لا ينبغى أن نتوقف طويلاً أمام هذا الأمر، الأفضل أن نُفكر في سبيل للخروج من هذا المأزق، فالظلام وشيك..

وافقوه بإيماءه من رؤوسهم، بينما يتابع وهو يدير عينيه فى المكان:
•    لقد اضعنا الكثير من الوقت دون جدوى، وأفضل ما نفعله الآن، السير بإتجاه الطريق الرئيسي، فهناك سنجد الـ...........

قاطعه والده (عبد الله) وهو يدير عينيه فيما حوله:
•    فكرة صائبة، ولكن أخبرني،  أين هو الطريق الرئيسي......؟؟!!

وكأن قنبلة قد أنفجرت عقب قوله هذا، فالتفت الشبان الثلاثة يديرون أعينهم فيما حولهم بمنتهى التوتر، باحثين عن بدايه الطريق وسط مئات ومئات من شواهد القبور..

والحقيقة أن العجوز كان على حق تمامًا، فالمقابر تمتد إلى داخل طريق فرعى لإكثر من كيلومترين بعيدًا عن الطريق الرئيسي، والسير وسط المقابر فى محافظة كسوهاج تمتلىء جبالها بالذئاب وبعض الحيوانات المفترسة، وتحت الظلام، يعتبر ضربًا من الجنون.... والحماقة....

<><><><><>
•    لازلت غير مستوعب لفكرة بقائنا هنا حتى الصباح..!!

انتهى (محمد) من جمع بعض أعواد الحطب، والقى نظرة على (سمير) الذي يتابع وهو يتطلع فى توتر نحو الجبال:
•    البقاء هنا غير مامؤن على الأطلاق، حتى لو أحتميت داخل سيارة..

ابتسم (عبد الله) وتأمل (ثابت) وهو يواصل محاولاته لإجراء محادثة عبر هاتفه المحمول:
•    لا داعى لكل هذا التوتر يا (سمير)، فلن نبقى هنا للأبد، الآمر لن يتجاوز بضع ساعات، فقط..
•    هل جمعت الحطب يا (محمد).

اومىء (محمد) برأسه وهو يضع أعواد الحطب امام السياره، فاقترب (ثابت) وهو يضع الهاتف في ملابسه:
•    أحسنت، دع لى مهمة إشعالها إذاً، الليل هنا سيكون باردًا بعكس لهيب النهار تمامًا.

بدأ (ثابت) فى إشعال الحطب، بينما تراجع (عبد الله) مستندًا برأسه إلى جانب السيارة وهو يتأمل السماء:
•    هل تعلمون.. ؟؟

التفت إليه الشبان الثلاثة، فتابع وعيناه لا تفارقان السماء، وكأنه يستمد كلماته من ملامحها المظلمه:
•    موقفنا هذا يذكرني بقصة قديمة، كنت أسمعها من جدتى وأنا فى الخامسة من عمري

انتبهت حواسهم، وقد جذبتهُم كلماته، فتابع وابتسامه ترتسم على شفتيه:
•    قصه مخلوقات متوحشه، وهياكل عظيمه شديدة البأس، تهاجم  زوار إحدى المقابر، فقط........

توقف عن الحديث والتفت يتطلع إليهم، وكأنما يسعى لرؤيه وقع كلماته على وجوههم، قبل أن يتنهد ويكمل:
•    فقط من أجل قطرات الدموع..!!

ارتسمت ابتسامه ساخرة على شفتى (ثابت) وتمتم، وقد أنتهى من إشعال الحطب:
•    دموع، وكيف سيحصلون عليها..؟؟، رجاءً يا ابتاه، أبحث عن حديث أخر ينهي هذه الليله.

قالها وأشار إلى (سمير) الذى ارتسمت آيات الرعب على ملامحه بالفعل، فابتسم العجوز وكأنما الأمر لا يعنيه، وتابع:
•    أنهم لا يظهرون للحصول عليها، بل بعد أن يتذوقوها بالفعل.

اشاح (ثابت) بوجهه، وانكمش (سمير) أكثر فى مكانه، بينما تسأل (محمد) فى خفوت:
•    ماذا تعنى يا عماه........؟؟، كيف يتذوقوها قبل أن يظهروا..؟، هلا أوضحت.....

اتسعت الأبتسامه على شفتي العجوز (عبد الله) وقد راق له ما يفعل:
•    الامر بسيط، عندما يزرف زوار المقابر الدموع، وتتساقط قطراتُها من إعُينهم، تنجح بعض القطرات فى ملامسة الأرض، ويكونون هم فى الإنتظار........

قالها وعاد يبتسم لوقع كلماته عليهم، فتنحنح (محمد) وهز رأسه فى قوة، وكأنما ينفض القصة كلها عن عقله، وارتعشت اصابع (سمير) وهو يعبث بقطعه حطب فى النار المشتعله امامه متمتمًا:
•    رغم أنني لا أصدق حرفاً، ولكنك نجحت فى بث الرعب فى نفسي يا آبتاه..

هم (عبد الله) بمواصلة الحديث، لولا أن فوجئوا بـ (ثابت) وقد بدأ يتراجع نحو السيارة، مشهرًا مسدسه الخاص، وهو يتطلع إلى نقطة ما بين شواهد القبور، فالتفتوا إلى حيث يتطلع، ليميزوا بصعوبة مع ظلام الليل، جسد حيوان يقترب فى بطء، حيوان تلتمع عيناه ببريق وحشي.

<><><><><>
تراجع (ثابت) نحو السيارة فى بطء، وعيناه لا تفارقان ذلك الحيوان، الذي واصل أقترابه وأتضحت ملامحه المخيفه مع وهج النيران:
•    آه، ها قد تجاوزت روايتك الخيال يا آبتاه، وها نحن نواجه ذئبًا فى هذا المكان المقفر.

تشبث (سمير) بذراع (محمد) وأنكمش الأثنان والعرق يغمر جسديهما والأول يتمتم:
•    أطلق عليه النار، اقتُله يا (ثابت)
•    لا، إياك يا ولدي، لن يجرؤ على الأقتراب مادام وهج النيران يسطع فى عينيه

خفض (ثابت) فوهة المسدس، وتأمل والده الذي هب من جلسته ليحول بينه وبين الذئب:
•    أعلم هذا، ولكن لماذا لا اقتُله..؟!!، سيكون هذا أفضل.

تراقصت أبتسامه غامضه على شفتي (عبد الله) وهم بالأجابه لولا أن سبقه (سمير) وقد أستجمع شتات نفسه وجفف العرق الغزير عن عينيه:
•    رائحة الدم..

التفت (ثابت) إليه متسائلاً، فأكمل وقد تسربت الطمأنينه إلى نفسه:
•    هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات، ولا أظن رصاصاتك ستكفي وقتها

ابتسم (عبد الله) وعاد للجلوس وهو يرمق الذئب المتربص بهم بنظرات متُحديه:
•    آه، ها قد تخليت عن رعبك يا (سمير)، وبدأت تُلقي بمعومات كلية الطب التي تخرجت منها

انفرجت شفتا (سمير) للإجابه على والده، لولا أن قاطعه (ثابت) وهو يتطلع بدوره إلى الذئب:
•    وماذا لو انطفئت النيران..؟؟

التفت إليه (محمد) و(سمير) فأكمل:
•    هذا الحطب لن يصمد حتى الصباح، وسرعان ما تنطفىء الشعلة، وأنتم لا تريدون أن نجتذب المزيد من الذئاب، فما العمل..؟؟!!

بدا لهم منطقُه صحيحًا فبادره (محمد) مُتسائلاً:
•    هل لديك اقتراح معين، لقد جمعت كل ما امكنني العثور عليه من حطب، فماذا لديك..؟؟!!

اطرق (ثابت) بوجهه للحظات قبل أن يرفع عينيه المتألقتين:
•    لا يوجد غير حل واحد، ولا مفر من تنفيذه، وفورًا

<><><><><>
•    لست مُطمئنًا لقرار (ثابت) هذا، أنه يعرض نفسه للخطر وسط الظلام ووحشة المقابر

ربت (عبد الله) على كتف (سمير) وهما يتابعان رحيل (ثابت) بعد انصراف الذئب، أملاً فى أن يصل إلى الطريق، ويُحضر نجدة أو بعض الوقود
•    لا تنسى أنه يحمل سلاحه
•    أرجو أن يُفيده هذا.....!!

اقترب (محمد) من موضعهما وقد حمل بيمناه جذوة مشتعله، ويسراه تحمل كمية آخرى من الحطب، فتسأل وهو يجاهد ببصره لإختراق الظلام:
•    هل رحل (ثابت)
•    نعم يا ولدي، آه لقد نجحت فى احضار المزيد من الحطب

انحنى (محمد) يلقي بعضًا  مما جمعه فى النيران المشتعله وأومىء برأسه إلى عمه (عبد الله):
•    نعم يا عماه، هذا ما نجحت فى جمعه، وكلى أمل أن يكفي حتى الصباح

عاودوا الجلوس حول النيران يلتمسون الدفء والأمان، وشملهم الصمت لبعض الوقت، قبل أن يقطعه (محمد) مُتسائلاً:
•    لم تخبرنا يا عماه، كم عدد أبطال القصة التي كنت تتحدث عنها.؟؟
•    أربع أفراد، نجا منهم ثلاثة فى النهاية 

ابتلع (محمد) ريقه فى صعوبه، وقد بدا له تلميح عمه مخيفًا، وقبل أن يستفسر عن المزيد، فوجىء بـ (سمير) وقد تراجع مذعورًا وهو يشير إلى بقعة قريبة، نفس البقعة التي وقفوا عندها صباحًا يبكون، ويذرفون الدموع..!!

<><><><><>
تراك.. تراك.. تراك

كانت خطوات (ثابت) المرتعشة، رغم تظاهره بالشجاعة أمام شقيقه ووالده وأبن عمِه، هي الموسيقى التصويرية لخلفية مرعبة من شواهد القبور، ورداء الليل المسربل بالسواد، مع تداخلات متقطعة لقطعان الذئاب في ممالكها الجبلية المجاورة للمقابر.

تراك.. طم.. تراك.. طم
والآن يزداد الأمر سوءًا، الآن ترتفع ضربات قلبه الملتاع، لفراق والدته وأحب المخلوقات إلى قلبه، والقلق على من تركهم خلفه، والخائف من مصير مجهول ينتظره شخصيًا

أوووووووووووووووووووووووو
هذا قريب، صوت العواء هذا قريب، أندفع (ثابت) يعدو والجذوة المشتعلة في يده تُزيد توتره وقد تحولت ألسنة اللهب الناتجة عنها إلى ألف خيال وخيال، العرق يتصبب عن جبينه، أنفاسه تتردد فيكاد صداها يخرق أذنيه، كالمجنون يتلفت في كل الأتجاهات.. هل هناك من يطارده حقــًا، أم أن تلك الأشباح السوداء هي من نسج خياله..؟!

أووووووووووووووووووووووو
هذا قريب، صوت العواء هذا أقرب، وأشرس

أووووووووووووووووووووووو.. دب.. آآآآآآآآه
الآن تصمت كل الطبول، ولاصوت يعلو على صوت العراك، عراك من أجل البقاء، بين ذئب شرس تدفعه الغريزة، وأنسان خائف.. ووحيد.

<><><><><>
•    حافظا على هدوئكما، وتراجعا نحو السيارة ببطء

أنتفض (سمير) متعلقــًا بذراع أبن عمِه، وهما يتراجعان صوب السيارة، وأمامهما وقف العجوز (عبد الله) ليحول بينهم وبين ذلك الشيء الذي بدأ يترنح، نافضًا الغبار عن نفسه، متقدمًا نحوهم.
•    ما هذا الشيء بالضبط، ماهذا بالله عليك يا آبتاه.؟!!!!
•    الله سبحانه وتعالى أعلم، لا تُضيعا الوقت.. أصعدا إلى السيارة، فهى حصصنا الوحيد

بغتة.. تحرك ذلك الشيء، كان أشبه بهيكل عظمي بسلاميات يديه المتدلية، ولكن السرعة التي تحرك بها، لم تكن لتتناسب مع هيكل عظمي أبدًا، عندما لمحه (سمير) للمرة الأولى كان يبعُد عن مكانهم نحو عشرة أمتار، وعندما بدأوا في التراجع نحو السيارة أتسعت المسافة.. كان يواجه النيرات التي أشعلوها على مقربة من مقدمة السيارة، ومع تحركه المباغت صار يقف في البقعة المُظلمة المواجهة لمؤخرة السيارة.!!

•    رباه.. ما هذا بالضبط، هل رأيت كيف أنطلق من هناك إلى.. إلى هناك
قبضت أصابع العجوز (عبد الله) على يدي (محمد) و(سمير)، يمنعهما من مواصلة الطريق نحو السيارة، فألتفتا إليه متسألين
•    لا أعتقد أن السيارة ستنقذنا من هذا الشيء، أسرعا نحو النار.. يبدو أنها تُخيفه

أنطلق ثلاثتهم بإتجاه شعلة النار وحصن الأمان، ومن خلفهم دوى صوت كهزيم الرعد، صوت ثائر غاضب، صوت قادم من أعماق الجحيم، صوت تتدلى سلاميات يداه كالهياكل العظمية..!!

<><><><><>
سقط (ثابت) أرضــًا بينما الذئب الشرس يجثم على صدره بأنفاسه الكريهة، وأنيابه المتعطشة لمذاق الدم.

"هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات"
أندفعت تلك العبارة تحتل كل جزء من خلايا عقله، بينما يمناه تبحث بإستماتة عن مسدسه وقد سقط إثر هجوم الذئب المباغت، هذا يعني أن أستخدام المسدس صار كارثة لا وسيلة نجاة.

مخالب الذئب وأنيابه لم تكن لتنتظر، كانت تمزق كل ما وصلت إليه من ملابس وجسد (ثابت)، بينما الأخير يجاهد بيد واحدة لإبعاد الذئب عن وريده العنقي، ولكن إلى متى..؟

"هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات"

وماذا يفعل..؟، أصابعه ألتقطت مقبض المسدس، لحظات وتنطلق الرصاصة وتتناثر الدماء لتُغرق وجهه وملابسه

"سيأتى العشرات"
"سيأتى العشرات"

•    لااااااااااااااااااااا
أنطلقت صيحة (ثابت) هادرة، ومعها أفلت مسدسه، وقد صار قاب قوسين من أستخدامه، مؤديًا حركة بهلوانية ليعتلي ظهر الذئب، معتصرًا رأسه بكلتا يديه، تمامًا كما تعلم في تدريبات الإشتباكات اليدوية.

أسلوب غريب لم يعتده الذئب مع ضحاياه، كانوا يقاومون، يدفعون أنيابه ومخالبه بإستماتة، يصرخون طلبًا للعون، ولكنهم أبدًا لم يطوقوا رأسه، لم يحدث أن أعتصروا رقبته بهذا العنف، أنه يختنق، شعور غريب.. لم يسبق أن مر به، أن عيناه تدمعان.. يشعر بالدوار.. أنفاسه تتلاحق وعواءه صار أقرب إلى صراخ فأر مذعور.

ترااااااااااااااااك
أخيرًا صدرت تلك القرقعة المميزة لتحطم فقرات العنق، وسقط الذئب.. ومعه سقط (ثابت)، الأول ميتًا.. والثاني فاقدًا للوعي من حجم المجهود العصبي والعضلي.

ولكن..
ليس هذا بالمكان المناسب لفقدان الوعي، إن الليل حالك السواد.. ولكنه ليس مُخيفــًا، أن المقابر موحشة تمتلأ الجبال المُحيطة بها بمخاطر شتى ليست الذئاب أولها ولا الثعابين آخرها.. ولكن خطرها قابل للمواجهة، إن المشكلة الحقيقة تكمن فيما فعلت عينا الذئب قُبيل موته، لقد دمعتا، ليته لم يعتصر رقبته بكل هذه القوة، إن دموع الذئب الراحل تلامس الأرض، قطرات ساخنة.. مُلتاعة، قطرات هى الوحيدة القادرة على احضار تلك الأشياء الرهيبة.

<><><><><>
•    بدأت الشعلة تذبل يا آبتاه

نظر (عبد الله) إلى النار التي بدأ لهيبها يخفُت رويدًا رويدًا، ثم التفت إلى رفيقاه (محمد) و(سمير)، وإلى ذلك الكيان الغامض، الواقف بلا حراك في تلك البقعة التي لا يصلها ضوء النار، ينتظر خبوها ليبدأ ليلته..!
•    لست أحب التفكير فيما سيكون بعد انطفائها، لكني أدعو الله أن يلطف بنا، فلا تنطفيء النار حتى نجد من يُغيثنا.
•    لنحاول أن نُبقيها مشتعلة إذن

بثت عبارة (محمد) بعض الطمأنينة في نفس (سمير) فالتقط نفسًا عميقاً:
•    وكيف ذلك..؟، ألا ترى الخطر الذي ينتظرنا لو أن أحدنا تجاسر لحظة، إن دائرة الأمان بالنسبة لنا هي البقعة التي يصلها ضوء النار ودفئها.

هز (محمد) رأسه عن غير إقتناع:
•    وهل لدينا وسيلة أخرى، ثم من يُدرينا أن هذا الشيء الجاثم هناك سيغادر خلف من يسعى منا لإحضار المزيد من الحطب..!

تدخل العجوز (عبد الله) في الحديث:
•    لا داعي للمجازفة، ليس أمامنا إلا الإنتظار والإبتهال إلى الله أن تبقى هذه الشعلة ريثما يعود (ثابت)
•    وماذا لو لم يعد..؟

أرتجفت الكلمات على شفتي (سمير) وهو يتأمل ذلك الشيء القابع في الظلام:
•    حقــًا، لماذا لا نفكر فيما نواجه الآن فحسب، ثم ما أدرانا عما يواجه (ثابت) في هذه اللحظات، لعله في صراع أشد ضراوة للإبقاء على حياته.

عاد العجوز (عبد الله) يتدخل في الحديث، وقد غلبت نبرات صوته حشرجة حزن، وقد ولى رفيقاه ظهره:
•    كفا عن هذا الحديث، ولدي سيعود، أنا أعرف هذا.. واثق به، أمكثا هنا وسيظهر (ثابت) بين اللحظة والأخرى

لم يكد ينتهي من كلماته حتى بدأ يقترب حثيثــــًا من مؤخرة السيارة، مُمسكــًا جذوة مشتعلة بيمناه، فأنتفض (محمد) و(سمير) ينويان اللحاق به، وقد أدهشهما ذهاب الخوف عن قلبه بهذه السرعة
•    إلى إين يا عماه..؟، طلبت منا المكوث والصبر، بينما تعرض حياتك للخطر في مواجهة هذا الشيء الذى لا ندري كنهه..؟

صرخ (عبد الله) غضبًا، وهو يواصل تقدمه البطيء نحو مكان ذلك الشيء:
•    وهذا ما أنوي فعله، أود رؤية هذا الشيء عن قرب، وبشكل أوضح.

<><><><><>
أنطلق رنين الهاتف في منزل الحاج (زهير) إبن عم العجوز (عبد الله)، فأنتفض من نومه يتطلع إلى عقارب الساعة التي أشارت إلى ما بعد منتصف الليل ببضع دقائق:
•    ربي لا أسئلك رد القضاء ولكني أسئلك اللطف فيه، خيرًا يارب

أتاه صوت أنثوي قلق على الطرف الآخر تعرف فيه نبرات شقيقته والدة (محمد) المُقيمة بالقاهرة:
•    مرحبًا بأم (محمد)، هل وصل الجماعة..؟
•    يا الله، هذا ما كنت أخشاه، أخبرني يا حاج (زهير) متى غادروا المقابر..؟

غادر الحاج (زهير) فراشه، وقد إزدادت قبضته على سماعة الهاتف:
•    ماذا تعنين يا أختاه..؟، ألم يعودوا بعد..!، ولكن كيف..؟، لقد تركناهم منذ مايزيد على الساعات العشر..
•    الغوث يا (زهير)، قلبي يحدثني أن مكروهًا أصابهم
•    أهدئي يا أختاه ولا تفقدي إيمانك، لعل عطبًا أصاب السيارة، سأبحث عنهم وأطمئنك حال عثوري عليهم

أغلق الهاتف وعاد يتأمل عقارب الساعة، ترى ماذا أصابهم..؟، لقد أثر تركهم بعض الوقت ليفرغوا إنفعالاتهم أمام قبر الراحلة زوجة (عبد الله) إبن عمِه، وتصور أن الوقت لن يتخطى الساعة حتى يجمعوا شتات أنفسهم ويغادروا المقابر والمحافظة كلها، هكذا عرف (عبد الله) وقوة شخصيته، ومؤكد أن ولداه يحملان نفس الصفات، وكذا إبن عمِهما (محمد) وقد نشأ وسطهم بعد وفاة والده وهو بعد لم يتخطى العاشرة.

هل حقـــًا أصابهم مكروه كما أخبرته شقيقته على الهاتف، مازال يذكر كيف أحست بوفاة زوجها رحمه الله قبل أن يصلهم الخبر بسبع ساعات كاملة، إن أبنها بينهم وهو كل شيء لها، من الجائز أنها تشعر به وما يحدث له، تمامًا كما كانت تشعر بوالده عليه رحمة الله.

•    ماذا ستفعل الآن يا حاج..؟
التفت إلى زوجته، وقد استيقظت إثر رنين الهاتف:
•    سأذهب إلى المقابر، قلبي يُحدثني أنهم هناك.
•    هناك..!!، الأفضل أن تبحث على طريق المحافظة، لعل عطبًا أصاب سيارتهم

هز الحاج (زهير) رأسه، وقد انتهى من إرتداء ملابسه:
•    سأرسل من يبحث عنهم على الطريق، أما أنا.. فسأذهب إلى المقابر داعيًا الله أن أصل في الوقت المناسب.

<><><><><>
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
صدق الله العظيم
(سورة التوبة: الآية51)

تشبث العجوز (عبد الله) بالجذوة المشتعلة في يمناه، وقلبه ولسانه وعقله، يتبعونه في ترديد الآية الكريمة، وقد أحس بإنها الملاذ الوحيد مما هم فيه.

ومن خلفه تعالى صوتي (محمد) و(سمير) في محاولة أخيرة لإثنائه عن تلك الحماقة، وهو الذي طلب منهما الإبتعاد وإيثار السلامة، ومعه حق، لقد بلغ من العمر أرزله، ولن يضيره لو تلقى بضع سحجات في عظامه أو أخترقت أنياب كائن مجهول أنحاء جسده، سيموت.. وليكن، المهم أن يبقى أبنه وأبن أخيه.. أن يحيا الصغار ليُكملا الطريق.

•    أنه يتحرك.. أحترس يا آبتاه
أنتبه من شرود أفكار على صيحة (سمير)، فرفع الجذوة ليكشف بضوء نارها ظلام المسافة الباقية، السيارة كما هي.. كما تركوها منذ بضع دقائق، فقط يبدو وكأن شيء ثقيل قد سقط على مؤخرتها حيث الحقيبة، أين ذلك الشيء إذن.

أدار الجذوة يمينًا ويسارًا، ليحظى بأكبر مساحة ممكنة من الرؤية، دون جدوى.. وكأن هذا الشيء قد تبخر
•    هل رأيتما إين ذهب..؟

كان يولي ظهره للسيارة، ناشدًا إجابة عن مكان إختفاء الشيء من الشابان، ولم تكد أعينهم تلتقي.. ورغم بعد المسافة والظلام المنتشر، لمح نظرة ذعر هائلة في عيناهما.. نظرة تصرخ أن يحترس.. أن يلتفت مسرعًا، ولكنه لم يكن خبيرًا في قراءة الرسائل الصامتة على أي حال.

<><><><><>
هناك في تلك البقعة، وسط شواهد القبور، والقمم الجبلية القريبة، ورداء الليل شديد السواد، رقد (ثابت) فاقدًا للوعي.. غائبًا عن كل ماحوله، وإلا فكيف سكن جسده وسط هذا الموقف، كيف يمكنه الإسترخاء وإلى جواره جثة.. حتى ولو كانت لذئب.

لقد بذل مجهودًا عصبيًا بالغــًا للسيطرة على خوفه وقهر الذئب بيديه العاريتين، حتى لا يوقع نفسه في مواجهة أشرس مع عدد أكبر من الذئاب، ولإن لكل إنسان طاقة لا يمكنه تجاوزها، فقد صرخ جهازه العصبي وأنطفأ.. بلا مقدمات.

ثوان.. دقائق.. أكثر، لم يدر (ثابت) كم لبث فاقدًا للوعي، هو على الأرجح لم يشعر بفقدان الوعي أساسًا، لقد قتل الذئب.. وسقط يلتقط انفاسه ثم هب واقفــًا، هذا ما وجده كتفسير مُعد في خلايا عقله الرمادية، ولم يكن لديه وقت للتحقق أو المناقشة.

لقد أنطفئت الجذوة، متى وكيف..؟، الله وحده أعلم، لعل صراعه مع الذئب قد ألقى عليها ببعض التربة وقد سقطت أرضــًا، المهم الآن أن يواصل ما بدأه.

•    رباه.. كيف يمكنني تحديد وجهتي في هذا الظلام..؟

فجأة سطع أمام عينيه ضوء خافت متقطع، فأنحنى أرضــًا يحدق في مصدره:
•    عجبًا.. كنت أعتقد أن الهاتف قد تحطم، ثم لماذا يعمل الآن.. ألم يكن مُعطلاً..!!

أتاه صوت مألوف على الجانب الآخر، يهتف سعيدًا:
•    حمدًا لله، أين أنتم يا ولدي، ولماذا لم يجبني (عبد الله)..؟
•    العم (زهير) أهو أنت، أهو أنت حقــًا؟
•    بالطبع يا ولدي، ألم ترى رقم الهاتف قبل أن تُجيب..؟
•    أعذرني يا عماه الظلام هنا شديد، كما أن شاشة الهاتف قد تلفت أثر سقوطي و...
•    سقوطك.. أين أنتم يا ولدي.. إن قلبي ينتفض قلقــًا عليكم

لم يكن تعرف (ثابت) لإحداثيات المكان بالشيء السهل، خاصة مع الظلام الدامس.. ولكنه نجح أخيرًا.. ولم تمر إلا بضع دقائق حتى كان يعانق الحاج (زهير).. ليبدأ معًا في وضع نهاية لتلك الليلة.

<><><><><>
ما هو أسرع رد فعل لشيخ تجاوز العقد السابع..؟، الوثب.. الإنحناء.. الدوران عكس عقارب الساعة، إطاحة الذراعين في حركات معقدة كلاعبي رياضات الدفاع عن النفس، أم فقدان القدرة على الوقوف.. الشعور بالدوار.. والسقوط كالحجر..؟!!

الواقع أن رد فعل العجوز (عبد الله) قد تجاوز كل تلك الأمور، ما أن رأى تلك النظرة المحذرة في عيني أبنه وأبن شقيقه، ورغم عدم تفوه أيٍ منهما بحرف واحد، فقد آمال جسده ليستند إلى السيارة مطوحًا بالجذوة المشتعلة نحو البقعة التي تركز عليها نظر (محمد) و(سمير).

تصرف بسيط.. سريع، وجاء في الوقت المناسب تمامًا، خاصة مع صوت العواء الرهيب الذي كاد يُتلف أذنيه وسقوط تلك البقعة السوداء على بعد خطوات منه وقد تعلقت النيران بظهرها.

كان شيء بالغ السواد.. ضخم، آمال رأسه الطويل في محاولات لبلوغ الجحيم الملتصق بمؤخرته والشعلة الزاحفة على فراءه الكثيف، شيء هو أقرب إلى كلبين مدمجين لو أن شيئًا كهذا موجود.

•    أبتعد يا آبتاه، آبتعد بالله عليك

أفاق من شروده على صرخات (سمير) و(محمد)، فأسرع مترنحًا يعود حيث هما، وهو لا يكف عن التلفت نحو ذاك الشيء الغامض.

•    هل رأيته عن قرب يا عماه، ما هو.. ما هذا الشيء بالضبط..؟
•    لا أدري حقــًا يا (محمد) إن رأسه لكبير حقــًا، وأنيابه ومخالبه شديدتا البياض، لم أرى هذا المخلوق من قبل في حياتي
•    ولكن عواءه يشبه الذئاب يا آبتاه.!!
•    لا أدري.. لاأدري يا ولدي، الغريب أن النار قد التصقت بفراءه وكأنه مغطى بطبقة من قوابل الإشتعال..!

في نفس اللحظة، كان ذاك الحيوان يرقد أرضــًا متقلبًا مستعينًا بالأتربة لإطفاء النار التي أكلت ظهره في لحظات، مع أنتشار رائحة شواء مقيتة، وسيمفونية كالرعد لأكثر من ذئب جذبهم العواء قبل الرائحة.

وقف الثلاثة، وقد عجزوا عن التصرف والتفكير، سحابة من الغبار برزت على مرمى البصر تتقدم صوب مؤخرة السيارة، حيث يرقد أرضــًا ذلك المخلوق المجهول وقد أوشك على إطفاء الجحيم المستعر في مؤخرته، العواء يقترب بينما ملامح السحابة تتضح رويدًا رويدًا، وقد أخفت عشرات الأنياب والمخالب المتعطشة للدماء.

أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو

صرخات وعواء، سيمفونية رهيبة مزقت سكون الليل، وخلخلت البقية الباقية من الثبات في قلوب (عبد الله) و(محمد) و(سمير)، وكادت تقضي على حياتهم لولا تلك الطلقات.

عشرات الطلقات، غطت رائحة الشواء بالبارود المنبعث من بنادق أصحابها، ومع السيل الكثيف والأضواء التي سطعت وسُلطت فجأة وكأنما برزت من العدم، تحول العواء من رغبة في مذاق الدم.. إلى عواء مذعور أسرعت معه الذئاب بالفرار والعودة من حيث أتت.

•    أطلقوا النار على هذا الشيء الكبير
أسرع رجال الحاج (زهير) يركضون ببنادقهم وأضواءهم خلف الحيوان الضخم، وقد تخلص من النار وأسرع بالإبتعاد مع فلول الذئاب.

•    (زهير).. حمدًا لله، مهما قلت لن أعبر عن أمتناني لرؤيتك في هذه اللحظات.
•    الفضل لولدك (ثابت)، لولا عثوري عليه أولاً لأستغرقت وقتــًا حتى أصل إليكم هنا

أسرع (عبد الله) يُحيط عائلته الصغيرة بذراعيه، وقد أنهمرت دموعه غزيرة.. فرحًا بنجاة الجميع.

•    لم نستطع اللحاق به يا حاج، إنه سريع جدًا، أسقطنا بعض الذئاب.. بينما أفلت هو في دروب الجبل
•    ما هو، ماهذا الشيء يا عمنا (زهير)..؟
•    صدقني يا (محمد) لا أعلم..، هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها عن هذا القرب
•    أتعني أنك تعلم بوجوده..!

تنهد الحاج (زهير)، وعقله يسترجع عشرات القصص والحكايات عن ذلك المخلوق الضخم بشع الخلقة ذي الفراء الكثيف شديد السواد، وما يفعله حال ظهوره بالمنطقة.. ثم التفت إلى إبن عمِه وصحبته، ورفع رأسه إلى السماء.. يحمد الله العلي القدير على سلامتهم ونجاتهم.

•    هيا بنا، لنغادر الآن وأعدكم بسرد كل ما أعلمه عن ذي الفراء هذا
أتجه الجميع صوب السيارت وقد تشابكت الإيدي والأكف، وتوقفت الأعين عن إدرار الدموع، ربما من هول ما رأت.. أو لعلها أدركت أخيرًا أن الدموع ليست هي السبيل الوحيد لمواجهة الصعاب.

تمت بحمد الله
Read More

13 أبريل 2003

وما تزال الخطورة قائمة

أبريل 13, 2003 0
" أن السياسي الذي يستسلم لنزعة الحرب، يجب أن يُدرك أنه بمجرد أن يُطلق النار، لن يُصبح سيدًا لسياسه، بل عبدًا لتطورات مجهولة، لا يستطيع التنبؤ بها والتحكم فيها "

ونستون تشرشل


<><><><>
 داخل ردهة أحد المنازل العربية، جلس الشقيقان (أسمر) و (أفرس)، وقد أشتعل بينهما نقاش حامي الوطيس

(أسمر):
•    أسمع، الأمر لا يحتمل المجادلة، المباراة في غاية الأهمية، ولن أتخلى عن متابعتها مهما تكلف الأمر

(أفرس):
•    بهدوء يا عزيزي، المباراة ستبدأ في الخامسة والنصف، والبرنامج الوثائقي الذي أود مشاهدته يسبق هذا الموعد بنصف ساعة كاملة

هز (أسمر) رأسه غير مقتنع:
•    أعلم، ولكنه سيمتد إلى ما بعد المباراة، فكيف يتابع كل منا ما يريده ..؟؟، هيا أخبرني

أطرق (أفرس) برأسه للحظات وقد شغله التفكير في مخرج لهذا الموقف المعقد، البرنامج الذي سُيعرض على الفضائية الأولى في غاية الأهمية، ولا يمكن تفويت مشاهدته بإي حال من الأحوال، والمباراة التي يود شقيقه متابعتها، لا تقل أهمية، فهي بين المنتخب العربي ومنتخب العالم، وياله من أختيار صعب

•    هل وصلت لحل ..؟؟
قطع سؤال شقيقه (أسمر) حبل أفكاره، فرفع رأسه مجيبًا:
•    الأمر بسيط، المباراة مذاعة عبر أثير شبكة الرياضيون العرب المتحدة، سنبدأ بمتابعة البرنامج، وعندما يحين وقت المباراة، سُنشعل المذياع، ونستمع في نفس الوقت لأحداث المباراة، فأذا ما جد شئ يستحق المشاهدة، أعدك بأن أدير مؤشر التحكم في تردد القنوات الفضائية فورًا، ها مارأيك ...؟

تراجع (أسمر) في مجلسه وهو يدير الأمر في رأسه، الحل واضح بالفعل ولا بديل عنه، ولو كانا يمتلكان تلفازًا أخر لما حدثت المشكلة من الأساس، ثم أن البرنامج الوثائقي هام بالفعل ومن غير المعقول أهمال مُتابعته
•    حسنًا أنا موافق

تهللت أسارير (أفرس) وأتجه نحو غرفة أخرى في المنزل عاد منها وهو يحمل المذياع

لحظات وكان الشقيقان يجلسان لمتابعة البرنامج الوثائقي الخاص بالأحداث العربية منذ الأربعينيات
فجلسا متجاورين يتابعان المقدمة الخاصة بالبرنامج

<><><><>
قبل أن تبدأ أحداث البرنامج، أنقطع البث وظهرت أحدى مذيعات الربط وقد كسى التوتر ملامحها :
•    أعزائي المشاهدين نعتذر عن قطع البرنامج الوثائقي " العروبة إلى أين ..؟ "، وذلك للأنتقال فورًا لبث مباشر من الولايات المتحدة الأميريكية، لنقل خطاب الرئيس الأمريكي إلى شعبه، وسنواصل تقديم البرنامج بعد إنتهاء الخطاب

وعلى الفور أختفت صورة المذيعة، وحلت بدلاً منها صورة الرئيس الأمريكي و .........

" أيها المواطنون، بدأت القوات الأمريكية وقوات التحالف في هذه الساعة المراحل الأولية للعمليات العسكرية لنزع أسلحة العراق، ولتحرير شعبه وحماية العالم من خطر قائم محدق .

وبموجب أوامري بدأت قوات التحالف ضرب أهداف منتقاة لها أهمية عسكرية من أجل تقويض قدرة صدام العسكرية على شن الحرب، هذه هي مجرد المراحل الأستهلالية لما ستكون حملة واسعة ومركزة .

إلى جميع الرجال والنساء في القوات المسلحة الأمريكية، الأن سيدرك الأعداء عمق خبرتكم وشجاعتكم، سيشاهد الناس الذين ستحررون روح الشرف والطيبة التى تتسم بها القوات المسلحة الأمريكية .

فنحن نواجه في هذا النزاع عدوًا لا يحترم اعراف أو قواعد أخلاقية، فقد وضع صدام حسين القوات العسكرية والمعدات العراقية في المناطق المدنية وهو يحاول أن يستخدم شعبه كدروع بشرية لحمايته وحماية قواته، وهذه ليست أخر الفظاعات التى يرتكبها ضد شعبه ووطنه .

أن بلادنا تدخل هذا النزاع، وهدفنا واضح تمامًا، فلن يعيش شعب الولايات المتحدة تحت رحمة نظام خارج عن القانون يهدد السلام العالمى .

أيها المواطنون، أن الأخطار التى تتهدد السلام العالمى سيتم التغلب عليها وسنواصل عملية السلام ونأتى بالحرية للأخرين، فنحن نحترم مواطني العراق ومعتقداتهم الدينية وليست لدينا أية مطامع فى العراق، فقط سنزيل التهديد ونعيد إلى شعبها السيطرة على وطنهم . "

تبادل الشقيقان نظرة خاصة بعد أنتهاء الخطاب، وكل منهما يتخيل النوايا الحقيقة لتحالف الشر
في نفس اللحظات أرتفع صوت من المذياع يعلن الأنتقال إلى أذاعة خارجية لنقل أحداث الشوط الأول من مباراة المنتخبين العربي والعالمي، فاسرع (أسمر) يلتقط مؤشر التحكم في التلفاز وسرعان ما أنطلق صوت المذيع العربي عاليًا مجلجلاً

<><><><>
بسم الله الرحمن الرحيم
أعزائي مُشاهدي قناة العروبة الدولية الرياضية، أسعد الله مسائكم
من ستاد العرب الوطني بدولتنا الأم، ((الحسام بن رمضان)) مُعلقكم الرياضي يحييكم ويتمنى لكم سهرة سعيدة ومتعة ما بعدها متعة، نحن الأن على موعد مع أهم مباريات القرن، مباراة تستحق أن تُسجل في تاريخ العالم  بحروف من نار، مباراة بين منتخبنا العربي، ومنتخب العالم بكامل أسلحته الفتاكة ونجومه اللامعه

أعزائى المشاهدين والمتابعين لهذه المباراة التاريخية، هاهم نجوم منتخبنا العربي يُجرون تدريبات الأحماء قبل بداية المباراة، ويالها من مباراة، ستُحدد نتيجتها زعامة العالم

دقائق وتبدأ المباراة المصيرية الرهيبة، أسمحوا لى أن أستعرض خلالها التشكيل والخطة المتوقعة لكلا المنتخبين
ولنبدأ بمنتخبنا العربي صاحب الأرض والجمهور والتاريخ العريق، في حراسة المرمى ...

<><><><>
تبدلت صورة الأستاد الرياضي في لحظة وظهر بديلاً عنها مقدمة البرنامج الوثائقي، فالتفت (أسمر) إلى شقيقه غاضبًا:
•    ها قد بدأنا، أريد أن أرى التشكيل وأستمع إلى شرح المعلق للخطط المتوقعة لكلا الفريقين

هز (أفرس) رأسه وهو يخفض من صوت المذياع ليتمكن من الأستماع إلى الشرح المصاحب للبرنامج:
•    وبما يفيدك هذا، دعنا نتابع البرنامج، والمذياع إلى جوارنا، عندما يجد جديد سندير مؤشر القنوات على الفور، كما أتفقنا

أستسلم (أسمر) للأمر، وأدار رأسه نحو شاشة التلفاز ليُتابع المادة العلمية التي يبُثها البرنامج

"دخلت القوات العربية المتحدة أرض فلسطين في 15 مايو 1948 دون تدريب أو تسليح كاف أو أعداد مسبق، ولعبت السياسة البريطانية المتواطئة مع الصهيونية والتي كانت تؤزارها معظم القوى الغربية وقتئذ خاصة الولايات المتحدة، دورًا مهمًا في إلحاق الهزيمة بالعرب، فلم تكد الجيوش العربية تقترب من تل أبيب رغم كل ما صادفها من صعوبات ومؤمرات حتى تم الضغط على الحكومات العربية الخاضعة وقتذاك لسطوة الأستعمار للموافقة على وقف القتال وقبول الهدنة الأولى 11 يونيو ثم الهدنة الثانية 18 يوليو 1948 .

وتحت ستار الهدنة المزعوم، تدفقت الأسلحة والمعدات والأمدادات العسكرية إلى إسرائيل، في الوقت الذى حُرمت فيه الجيوش العربية من أى أمدادات .

وفي ظل وقف إطلاق النار فاجأت إسرائيل القوات العربية بالهجوم  وتمكنت عن طريق الغدر من أحتلال القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية".

<><><><>
يا ساتر، يا ساتر
هجمة في منتهى الخطورة لمنتخب العالم

ونحن على مشارف نهاية الشوط الأول، وبالتحديد فى الدقيقة الثالثة من الوقت المحتسب بدلاً من الوقت الضائع، يقود لاعب وسط اليسار (رئيل) هجمة شديدة الخطورة على مرمى منتخبنا العربي

وعلى مشارف منطقة جزائنا وبعد ((هات وخد)) بين (رئيل) و(ريكي) يتسلم (رئيل) الكرة أقصى اليسار ويطلق تسديدة قوية للغاية تصطدم بالقائم الأيمن لمرمى منتخبنا العربي

حمدٍلله، حمدٍ لله

أهه، وها هو حكم المباراة يطلق صافرته معلنا نهاية الشوط الأول

أعزائي المشاهدين إلى اللقاء مع الشوط الثاني، مع تمنياتنا بمنتهى التوفيق لمنتخبنا العربي

تنهد (أسمر) بعد أنتهاء الشوط الأول، وأن عجز عن أزاحة عيناه ولو للحظة عن تفاصيل البرنامج، فالمادة التي يبثها في الواقع أكثر خطورة وأهمية

<><><><>
"في 29 أكتوبر 1956 وفي ظل التواطؤ البريطاني الفرنسي مع إسرائيل، تم إسقاط كتيبة من رجال المظلات بالقرب من المدخل الشرقي لممر متلا على مسافة 65 كم من قناة السويس، ثم تسلمت مصر في اليوم التالي 30 أكتوبر، إنذارًا بريطانيا فرنسيا لسحب القوات المصرية غرب قناة السويس.

بالأضافة إلى قبول الأحتلال المؤقت لبورسعيد والأسماعيلية والسويس، ليتسنى الفصل بين الأطراف المتحاربة ((مصر وإسرائيل)) وذلك لضمان حرية مرور السفن بالقناة وفق أحكام القانون الدولي.

فأصدرت القيادة السياسية أمرها بالأنسحاب العام لجميع القوات المصرية في سيناء إلى غرب القناة، لأفساد  المخطط الموضوع لقطع خط الرجعة على هذه القوات تمهيدًا لأبادتها"

التفت (أفرس) إلى شقيقه وهو يلتقط كوبًا من العصير موضوع أمامه على الطاولة:
•    هل رأيت كمًا من الخدع والمؤامرات أكثر من هذا
هز (أسمر) رأسه نفيًا، في نفس اللحظة التي أرتفع فيها صوت المعلق الرياضي عبر أثير المذياع

<><><><>
أعزائي مشاهدي قناة العروبة الرياضية، أهلاً ومرحبًا بكم مجددًا   
بدأت منذ دقائق أحداث الشوط الثاني للمباراة الهامة والمرتقبة بين منتخبنا العربي ومنتخب العالم بقيادة الكابتن (ريكي)

منتخبنا العربي كما ترون أصبح عن اليمين ومنتخب العالم عن اليسار

وبالمناسبة فهناك مفاجأة لم تكن متوقعة حيث فوجئنا بتغيير نجم الوسط (رينيه) إضافةٍ إلى أصابة نجم الدفاع المميز  (فيتشي)

كما أخبرتكم، المباراة تدخل الأن في الدقيقة السادسة والخمسون أو الحادية عشرة من الشوط الثاني

الكرة بحوزة منتخبنا العربي، من (عمار) في اليسار إلى (فارس) في المنتصف، يحاول التمرير إلى (حميد) في الجناح الأيمن، ولكن هاهو (ريكي) يقطع التمريرة ويتقدم متخطيًا منتصف ملعبه، ومحاولاً التمرير إلى (رئيل) في اليسار، لكن لاعب الوسط المدافع (فارس) يقطع التمريرة و....

ماهذا (رئيل) يرتكب مخالفة واضحة ضد (فارس) والحكم يتغاضى عنها بغرابة، الكرة الأن بحوزة منتخب العالم في منتصف ملعبنا، من (ريكي) إلى (فليب) وتمريرة طويلة يتسلمها (رئيل) ويسدد بقوة.

منتهى الخطورة، الكرة بأتجاه مرمانا وينجح الحارس (عربي) في إبعادها بصعوبة إلى ضربة ركنية.

<><><><>
"الساعة التاسعة صباحًا يوم 5 يونيو 1967، أقلعت أسراب الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في إسرائيل، وأقتربت من الأتجاه الشرقي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي، لتصل فجأة وفي وقت واحد فوق القواعد الجوية المصرية، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق على ارتفاعات منخفضة لم تزد عن 50 متر، وكانت محطات الرادار المصرية والسوفيتية الصنع من طراز (B-8) و(B-20) و(B-12) و(B-13) كلها تعمل لتبحث عن أي عدو يتسلل إلى مجالنا الجوي.

جميع العمال الفنيين أمام شاشات الرادار، لكن هذه الشاشات لم تظهر عليها طائرة واحدة لأن محطات الرادار لم تكن لديها القدرة على التقاط أى أهداف أو طائرات تُحلق على أرتفاع أقل من 500 متر !!.

وباستغلال هذه النقطة أقتربت الطائرات الاسرائيلية دون أن يراها أحد، وفجأة وفي وقت واحد وصلت الطائرات الإسرائيلية في مفاجئة عنيفة فوق جميع القواعد الجوية المصرية في سيناء والدلتا وفي الجنوب، وبدأت فورًا في قصف القواعد وضرب الطائرات المصرية الرابضة فوق الأرض بلا دشم أو ملاجئ تحميها، وبدأت الإنفجارات تتوالى وربضت الطائرات المصرية الى الأبد بينما كانت طائرات إسرائيلية آخرى تهاجم الممرات لتدمرها نهائيًا"

<><><><>
أعزائي مشاهدي قناة العروبة الرياضية
الدقيقة السابعة والستون من عمر مباراة القرن بين منتخبنا العربي ومنتخب العالم

منذ بداية الشوط الثاني ومنتخبنا يعاني قصورًا غير طبيعي في الأداء العام وخاصة أفراد خط الوسط المفروض منهم بذل المزيد من الجهد للسيطرة على منطقة المناوراة.

وعلى النقيض فأن منتخب العالم بقيادة الداهية (ريكي) ولاعب وسط اليسار (رئيل) يقودان هجومًا مخيفًا على مرمانا،
لدرجة إصطدام الكرة بقائم المرمى للمرة الثانية حائلاً دون دخول هدف محقق إلى مرمى المنتخب العربي.

وفي نفس الوقت فلا ننكر الدور الكبير الذي يقوم به حارس مرمانا (عربي) في الحفاظ على نظافة الشباك العربية.

ويبقى أن نشير إلى الدور العجيب الذي يقوم به حكم الساحة، وتغاضيه عن مخالفات صارخة وواضحة لصالح منتخبنا العربي لا شك تساهم في فقدنا للكرة معظم الوقت باحتساب أخطاء عكسية غير مبررة على الأطلاق.

كل هذا على الرغم من أن المفترض في حكم الساحة العدالة بين كلا الفريقين، دون أمالة كفة فريق على الأخر 

أبتسم (أفرس) وقد التقطت أذناه تلك العبارة الأخيرة للمعلق الرياضي، وتسأل "منذ متى والتحكيم العادل يعرف طريقه إلى العرب في أى مجال، حتى الرياضة ..؟؟"

<><><><>
"بسم الله الرحمن الرحيم، نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس على طول المواجهة، وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقي للقناة وتواصل قواتنا حاليًا قتالها مع العدو بنجاح، كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وقد قامت بضرب الأهداف الهامة للعدو على الساحل الشمالي لسيناء وأصابتها إصابات مباشرة.

كما بدأت القوات السورية هجومها في اللحظة نفسها التى بدأت فيها القوات المسلحة المصرية الهجوم طبقا للإتفاق بين القيادة العسكرية في البلدين.

وعبرت 100 طائرة سورية على ارتفاع منخفض للغاية خط وقف إطلاق النار، وفتح نحو ألف مدفع النيران على المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان. ثم اندفعت الموجات الأولى من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة نحو ((خط آلون))، وهو خط الدفاع الإسرائيلي في الجولان الذي يماثل خط برليف على الجبهة المصرية"

هب الشقيقان (أفرس) و (أسمر) وهما يتعانقان في فرح أسطوري على الرغم من أنهما يشاهدان تسجيلاً وثائقيًا لحرب السادس من أكتوبر، إلا أن مشاعر الفرحة والسعادة بالنصر لا تعرف زمان ولاعصر ولاتنتهى أبدًا، فالنصر باق حتى يأذن الله أمرًا كان مفعولا

وفي نفس اللحظة تعالى صراخ المعلق الرياضى الصادر عن المذياع، فاسرع (أسمر) يدير مؤشر التلفاز إلى القناة الرياضية

<><><><>
جول جول
هههههههههدف رائع لمنتخبنا العربي.

الدقيقة الثالثة والسبعين والثانية السادسة تحمل الخير كل الخير لمنتخبنا الرائع حتى هذه اللحظات، هاهو الهدف الجميل أمام أعينكم أعزائي المشاهدين.

الكرة  مقطوعة بمهارة عالية في المنتصف من لاعبنا المدافع (سعود) ثم تمريرة حريرية إلى (سليم) في اليسار ومنه إلى نجم هجومنا المميز (محمد) يسدد بمنتهى القوة على يسار الحارس العالمي (برن).

فرحة ما بعدها فرحة أعزائى المشاهدين هاهنا في مدرجات أستاد الوطن الأم، الدقائق الماضية وبالتحديد منذ الدقيقة الثامنة والستون تحمل تفوقاً ملحوظاً لمنتخبنا، وسيطرة كاملة على منطقة الوسط بفضل التعاون القائم والمستمر بين أفراد خط الوسط  وربطهم الرائع بين خطي الدفاع والهجوم، ونرجو أن يستمر هذا التعاون إلى نهاية المباراة

عاد الشقيقان يتعانقان من جديد، وقد أسعدهما أن يأتي الهدف في نفس الوقت الذي يعرض فيه البرنامج الوثائق الخاصة بحرب أكتوبر المجيدة

(أفرس) وقد غلبته نوبة حماس هائلة:
•    رائع، ما أحلى النصر

أبتسم (أسمر) وأشار إلى شقيقه أن يستمرا في متابعة المباراة لبعض الوقت:
•    هيا لا تكن عنيدًا، بضع دقائق فقط، ثم نعود لمتابعة البرنامج

هز (أفرس) رأسه أن نعم، وعاد صوت المعلق الرياضي ينطلق في المكان 

<><><><>
أعزائي المشاهدين
وصلنا الأن إلى الدقيقة الخامسة والسبعون، ومازال منتخبنا يؤدي اداءً رفيع المستوى

ورغم المحاولات المستميتة من جانب نجوم منتخب العالم لأدراك التعادل إلا أن منتخبنا صامد بل يقوم بهجمات مرتدة أكثر من رائعة نتمنى أن نراها تسكن الشباك العالمية.

وان كنت أرى ضعفاً شديدًا في اللياقة البدنية لبعض لاعبينا، وأرى ملامح الخطورة البادية من تصميم منتخب العالم على تجميل صورته والمباراة تتجه نحو النهاية

الكرة الأن في منتصف الملعب من (محمد) إلى (كرم) إلى ..........

<><><><>
"لقد أستحوذت أزمة احتلال العراق لدولة الكويت - والمعروفة دوليا بأزمة الخليج الثانية – على قدر كبير من الأهتمام الدولي،  ففي 2  أغسطس1990م  غزت القوات العراقية دولة الكويت بحجة أنها المحافظة التاسعة عشرة ومن الضروري أستعادتها، وفي اليوم نفسه أجتمع مجلس الأمن وأتخذ قراره (660) لسنة 1990م الذي أدان فيه الغزو،  وطالب بسحب العراق لقواته فورًا ودون قيد أو شرط إلى المواقع التي كانت تحتلها في اليوم السابق، وفي 6 أغسطس1990م أصدر المجلس قراره (661) بفرض جزاءات إلزامية على العراق حيث أشار القرار إلى عدم امتثال العراق للدعوة إلى سحب قواته الغازية.

وخلال الفترة من 2/8/1990م إلى نوفمبر 1990م، اتخذ مجلس الأمن 12 قرارًا تتصل بالحالة بين العراق والكويت، كان آخرها القرار (678) الذي صدر في نوفمبر 1990م، وأذن المجلس فيه للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت الشرعية في حالة عدم تنفيذ العراق في موعد أقصاه 15 يناير 1991م،  جميع قرارات المجلس المتصلة بإحتلال الكويت (( بأن تستخدم جميع الوسائل اللازمة، بما فيها القوة السكرية ))  لحمل العراق على سحب قواته الغازية وإحلال السلم والأمن الدوليين من جديد في المنطقة.

ورغم المبادرة الدبلوماسية التي قام بها عدد من الأعضاء، واجتماع الأمين العام لجامعة الدول العربية  مع الرئيس العراقي (صدام حسين) في بغداد يومي 12 و 13 يناير 1991م، واصل العراق تعنته ضد إرادة المجتمع الدولي، وفي 15 يناير 1991م  ومع أقتراب نهاية المهلة، أصدرت جامعة الدول العربية نداءٍ ناشدت فيه العراق الأمتثال لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتحويل مجري الأحداث لتجنب الكارثة.

وفي 16 يناير 1991م  وبعد يوم واحد من تاريخ انتهاء المهلة، بدأت الدول المتعاونة مع الحكومة الشرعية للكويت عمليات هجوم عسكري،  وفي 27 فبراير 1991م   أي بعد 6 أسابيع من القتال الجوي والبري، تحررت الكويت.

وفي اليوم نفسه أعلن العراق أن جميع قواته قد أنسحبت من الكويت، وأبلغ مجلس الأمن برضوخه لقرار المجلس رقم (660) ولجميع القرارات الأخرى للمجلس والمتعلقة بالأزمة، وأوقفت العمليات العسكرية للحلفاء، إعتبارًا من منتصف ليلة 27 فبراير 1991م "

تبادل الشقيقان نظرة يملؤها الأسف، وأنحدرت دمعة من عيني (أسمر) فبادره شقيقه قائلاً:
•    أتبكي ..؟، أنها المرة الأولى التي أرى دموعك، ألهذه الدرجة تأثرت بهذه الواقعة

أشاح (أسمر) بوجهه، وأجاب وهو يمسح الدموع النحدرة من مقلتيه:
•    ومن منا لم يتأثر، لقد كانت ضربة عنيفة ومؤلمة للغاية للترابط العربي، ومازال تأثيرها يرسم صورًا غاية في الكآبة حتى يومنا هذا

هز (أفرس) رأسه أن نعم، في نفس اللحظة التي أنتبها لصوت المعلق الرياضي حزينًا ينبعث على الرغم منه حاملاً أطنانًا من المرارة

<><><><>
أعزائي المشاهدين العرب
أنها أسوأ لحظات منتخبنا العربي في هذه المباراة على الأطلاق .

لقد نجح (ريكي) كابتن منتخب العالم في إحراز هدف التعادل، رغم حراسة المدافعين
أنه هدف التعادل أيها السادة
ومتى ....؟؟
في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة
الدقيقة التسعون تمامًا.

ياله من سوء حظ غير طبيعي
لقد كان منتخبنا العربي قاب قوسين من تحقيق نصر، ولا أروع
ولكنه الحظ اللعين

وأن كان علينا الأعتراف بأن المنتخب قد فقد الترابط الذي بدأ به الشوط الثاني، وخاصة في الدقائق العشر الأخيرة التي أشتد فيها الضغط من جانب منتخب العالم.

عمومًا
ها هو حكم الساحة يطلق صافرته معلنًا نهاية الشوط الثاني
ونتيجة لهذا التعادل فسنلجًا إلى وقت أضافي يُنفذ على شوطين، كل شوط مدته خمسة عشر دقيقة، نأمل أن يصاحب التوفيق منتخبنا العربي بأذن الله

<><><><>
تبادل (أفرس) وشقيقه (أسمر) نظرات الحسرة على ضياع الفوز والهيبة والثقة، وتراجع كل منهما في مجلسه رافعًا رأسه إلى سقف الردهة مفكرًا

في نفس اللحظة التي أنقطع فيها بث البرنامج الوثائقي لإعادة الخطاب الموجه من الرئيس الأمريكي إلى شعب الولايات المتحدة،  والذي يعلن فيه بداية الحرب لتحرير العراق ....!!!!

فعادا يتبادلان النظرات وقد أستقرت في ذهن كلاهما جملة واحدة
" إلى أين تتجه العروبة، ومتى يأتي اليوم الذي تزول فيه الخطورة عن أركانه ...؟؟، متــــــــــــــى ...؟؟ "

<><><><>
كل المعلومات الواردة في هذا العمل صحيحة مائة بالمائة، طبقًا لما ورد في المراجع والمواقع التالية:
6 أكتوبر الحرب الألكترونية الأولى  "تأليف أ . محمد عبد المنعم"
المعارك الحربية على الجبهة المصرية   "تأليف أ . جمال حماد"
ذئب في قرص الشمس  "تأليف أ. محمد عبد المنعم"
موقع المؤرخ
موقع مقاتل في الصحراء
الموقع الرسمي لدولة الكويت
Read More

Post Top Ad