إنهم يأكلون لحمي!!


داخل مقر رئاسة الوزراء الأسرائيلية إندفع (بنيامين اليعازر) وزير الدفاع مقتحمًا مكتب (ايرئيل شارون) رئيس الوزراء الأسرائيلى وقد احمر وجهه تمامًا، فهب (شارون) من مجلسه وأندفع يمسك بذراعه فى قسوه وهو يسأله:
• أيه يا زر مالك، وشك جايب ميت لون ليه..؟؟
• مش عارف أقولك أيه يا (شرى)، العيال بتوع المقاومه هجموا على قهوه من حوالى نص ساعه
ثم تنحنح وهو يكمل:
• والنتيجه 14 قتيل وحوالى 80 مصاب معظمهم حالته خطيره..!!

عقدت الدهشة لسان (شارون) لبعض الوقت، قبل أن يلتفت إلى (بن اليعازر) والغضب يعصف بكيانه
• ومسكتوهم، مسكتوا العيال دى..!!؟؟

تنحنح (اليعازر) فى ضيق وتصبب العرق غزيرًا على عينيه
• بصراحه لاء، ذى العاده هربوا قبل ما نلحق نتحرك

* * * *
وفى أحد أحياء القدس العربيه، جلس صبى فلسطينى لا يتجاوز عمره السنوات العشر، فى شرفة منزله وعيناه تتحركان ما بين بداية الشارع ونهايتة، وكأنه ينتظر شخص ما، وفجأه إندفع إلى داخل المنزل وقد بدا عليه إنفعالاً شديدًا، وأسرع يفتح الباب وهو يستقبل أخيه الأكبر: • السلام عليكم ورحمه الله وبركاته يا (فاضل)
• وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته يا أخى العزيز

كان (جهاد) الأخ الأكبر لـ (فاضل) وأحد أعضاء حركة حماس المقاومه للأحتلال، وقد بدت عليه الدهشه من إستيقاظ أخيه حتى هذه الساعه المتأخره من الليل:
• ألم أخبرك الا تنتظرنى وتذهب لتنام كما أتفقنا..!!؟؟

أطرق (فاضل) برأسه أرضًا، وغلبته دموعه وهو يجيب أخيه
• لم أستطع، لقد كنت قلقًا عليك بشدة وخشيت أن......
• خشيت الا أعود أليس كذلك..؟، ألم أخبرك أن الدفاع عن الوطن جهاد فى سبيل الله أوليس أسمى (جهاد)؟، ثم أننى لو لم أعد فهذا يعنى أننى قد أستشهدت ولحقت بإبى وأمى وأخوتنا، هل تذكر ما أخبرتك به عن الشهادة والشهداء؟

توقفت دموع (فاضل) وأطل بريق عجيب من عينيه، وتهدج صوته وهو يجيب أخيه
• نعم، أذكر أن الشهاده لا جزاء لها إلا الجنه والبعث دون حساب مع الأنبياء والصديقين و أصحاب الرسول عليه الصلاه والسلام

إحتضن (جهاد) أخيه وترقرقت الدموع فى عينيه
• أحسنت يا فتى، ولتعلم أن الله لن ينساك إذا ما لحقت أنا بالشهداء، تذكر هذا جيدًا، وتذكر أيضًا أن اللواء سينتقل إليك لجهاد الصهاينة الملاعين من بعدى أن شاء الله

* * * *
وفى الإجتماع الطارئ لمجلس الوزراء الأسرائيلى، ساد الهرج والمرج والصراخ والعويل حتى حل (شارون) بطلعته البهيه وأخذ يجوب بعينه الحولاء فى وجوه وزراءه المغاوير، ثم جلس على رأس المائدة المربعة، وصمت لبعض الوقت إمعانًا فى زياده التوتر، قبل أن يبدأ فى الصراخ:
• جرى أيه منك له، العيال الفلسطينين دول عمالين يدونا على قفانا كل يوم والتانى، ومش محوق فيهم اللى بنعمله

قاطعه (شيمون بيريز) وزير الخارجية:
• وبعدين يا (شرشر) ما تحسن ملافظك، أيه محدش مالى عينك

أسرع (اليعازر) بالتدخل قبل ان يتبادلا العراك والطعن بالأسلحه البيضاء
• وبعدين يا أسطى منك له، خلينا نشوف المصايب اللى نازله ترف علينا، وبعدين نتفرغ لمشاكلنا
ووسط هذا الهرج والمرج، أقتحم أحد العاملين غرفه الإجتماعات ووجهه محمرًا وعيناه تكادان تخرجان من محجريهما، وهو يحمل جهاز راديو صغير الحجم، فألتفت إليه (شارون) وهو يتسأل فى حيره:
• فى أيه، أذاى تدخل علينا كده من غير ما تخبط يا لوح..؟؟؟

أبتلع العامل ريقه فى صعوبه
• لمؤاخذه يا معلم شارون، أصل فى حاجه بتتذاع دلوقت ف الراديو على محطه فلسطين وبيتهيألى أنك لازم تسمعها

ثم ضغط أزرار الجهاز فأنتلقت فى المكان موسيقى مميزه يصحبها صوت يردد فى سخرية هائلة وشماته لاحدود لها:
يا عامون...... يا إيديل يا شارون يا راشيل
إلحقوا أخوكوا الصغير النهارده طلع له ديل
ديل حقيقى مش هزار جلد لكن مش ليزار
يعنى مش هيجبله حاجه لو يبيعه ف البازار
.......
راحوا للدكتور حنانيا قال أشيل الديل ف ثانيه
والفيزيتا عشره شيكل قالوا شكرًا فرصة تانيه
بس قلى يا طبيب ديل حمار ده وله ديب
قال هنعرف م الأشعه ديل شيطان وده مش غريب
.......
حاله عامة ف أسرائيل لسه حاصله لحزيائيل
بكره تتقطع ديولكم ف رام الله والخليل

لثوان الجم الصمت السنه الجميع، حتى يخيل للناظر أن هذه الغرفه قد تحولت إلى مقبره، قبل أن ينطلق صوت (شارون) الغاضب كالثور الهائج وهو يسب ويلعن ويتوعد ثم ألتفت إلى (بيريز)
• شايف، وحياة طنط (إيديل) اللى جابوا سيرتها من غبر مناسبه، لكون جايب عاليها واطيها

* * * *
جنازه مهيبه تخترق شوارع القدس القديمه، 17 فلسطينى راحوا ضحية مجازر السفاح (شارون)، إستشهدوا وتركوا أرضهم تحت نيران الأحتلال، آلاف الوجوه وقد حفر الحزن فى ملامحها الكثير والكثير، الدموع والصرخات تملء الفضاء إلا هو، (فاضل) كان يتقدم نعش أخيه وقد رفع هامته والتمعت عيناه وعلت شفتيه أبتسامه، وكأنه يودع آخاه إلى عرسه وليس إلى مثواه الأخير

الكل لفت إنتباهه صلابه الصبى، وقدرته على الإحتمال، و لم يجل بخاطر أحدهم أن قلبه الصغير يتمزق لفراق أخر أفراد أسرته، والشخص الوحيد الذى كان يمثل الأمان بالنسبه له

لم يدر الصبى كيف أنتهت الجنازه، ولا كيف ظل طوال هذا الوقت جالسًا بجوار ضريح أخيه والدموع تغرق وجهه وملابسه وكأنها شلال منهمر لا سبيل لإيقافه، لم يكن يعنيه الظلام والوحشه التى تحيط بالمقابر، فقط كان قلبه يتمزق المًا لفراق أخيه، وعقله يفكر فيما سيحدث له بعد أن صار وحيدًا

ووسط هذه الأحاسيس خيل إليه أنه قد لمح شبحين يتسللان بجوار أحد الأضرحه القريبه، ولكنه أرجع هذا لتأثير الحزن والدموع التى تغرق عيناه

وفجأه سمع صوت معاول حفر تنبش القبر، ولمح أثنين من الجنود يسرعان فى الحفر، وعندما أقترب لمسافاه تسمح له برؤيه ما يفعلان دون أن يشعرا بوجوده، عقدت الدهشه والذهول كيانه، فما كان يفعلانه رهيبًا......... رهيبًا للغاية

* * * *
خيم الصمت التام على حجرة رئيس الوزراء الأسرائيلى الإ من بعض الأصوات الغريبه الخافته الصادره من جهاز (بلاى ستيشن) حديث يمارس عليه (شارون) لعبته المفضله (المصارعه) بإستخدام ذلك المصارع المرعب (الحانوتي)

• يا سلام أحلى حاجه أنى بعد ما أكسب بعبى العبيط ف الشوال بتاع الميتين

أستغرق (شارون) بعض الوقت فى اللعب، قبل أن يفيق على رنين الهاتف الدولى الخاص، فترك ما يفعل وأسرع برفع السماعه
• شالوم، أهلاً أهلاً يا (ببش) يا حبيبى، أيه لاء طبعًا الأمن مستتب، لا يا حبيبى اللى بتشوفه ف الفضائيات هجايس، لاء طبعًا متصدقش، أسمع سيبك بقى م الكلام ده، أنا عايزك ف حاجه مهمه، أيوه... شوف يا سيدى الخواجه بتاعكوا ده بتاع التيك آواى وسندوتشات الـ........،أيوووووووووووه أديك عرفته، أمبارح أتصل وعايز طلبيه جامده وأنت عارف الحاله تعبانه، والعيال بتوع المقاومه مبهدلنا، ومعنديش إمكانيات أبعتله اللى هو عايزه، هاه بتقول كام لالا قليل، ثم أنا كنت عايز شويه عينات م اللى بالى بالك، يعنى آهو نجربهلكم وأحنا كمان نستفيد،... ماشى...، ماشى يا (ببش) شالوم يا نور عيونى

وضع (شارون) سماعة الهاتف، وتراجع فى مقعده وأبتسامه صفراء ترتسم على شفتيه، وعقله يجاهد لتجميع الأرباح المتوقعه من صفقته الكبرى
• طبعا كبرى، أكبر من صابرا وشتيلا، وقانا، ودير ياسين، دى هتبقى خبطة العمر

* * * *
هب الشيخ (سعد) أحد قادة المقاومه الفليسطينيه، وجار الصغير (فاضل) من مجلسه وأمسك بكتفى الفتى فى إنفعال واضح
• هل أنت متاكد مما تقول يا صغير، هل رأيت هذا بأم عينك... !!!؟؟؟
أجاب (فاضل) فى إحترام وهدوء
• نعم يا عماه، لقد رأيت أثنين من جنود الأحتلال، ينبشون قبور الشهداء ويخرجونهم ويرحلون بهم لوجهه لا يعلمها الإ الله

تسمر الشيخ (سعد) فى مكانه لبعض الوقت، ثم أخذ يروح ويجئ وهو يفكر بصوت عال
• ترى ما الذى يفعله هؤلاء الحمقى بجثث شهدائنا، ولماذا الذين تم دفنهم اليوم فقط، لماذا ؟
• شيخ (سعد)، يا شيخ (سعد)، كارثه يا شيخ (سعد)

إلتفت الشيخ إلى مساعده وزراعه اليمنى (صقر)، الذى أقتحم المكان والعرق يغرق وجهه المتحول إلى اللون الأصفر
• ما بالك يا فتى أخبرنى، هل فحصتم مقابر الشهداء..؟؟!!

تلعثم (صقر) قبل أن يجمع شتات نفسه ويجيب
• لم نكتف بالمكان الذى أرشدنا إليه الصغير (فاضل)، ولكننا فحصنا معظم مقابر الشهداء فى المنطقه وكانت الكارثه..!!!!

غلب الأنفعال الشيخ (سعد) فأمسك بذراعى (صقر) يضغطهما ليستحثه على مواصلة الحديث
• أية كارثه، تكلم ماذا تقصد..!!؟؟
• لقد... لقد وجدنا كل مقابر الشهداء خاليه، كلها بلا أستثناء

* * * *
تعالت ضحكات (شارون) داخل مكتبه فى رئاسه الوزراء وهو يتحدث إلى وزير دفاعه (بن اليعازر)
• تعرف يا زر أنا بفكر نضرب كل يوم بتاع 70- 80 فلسطينى، ونعبى ونبعت وآهو كله مصلحه

بادله (اليعازر) ضحكاته ومرحه، قبل أن يقتحم الغرفه أحد الجنود وهو يمسك بورقه فى يده ويبدو عليه الأضطراب
• يا اسطى (شارون)، التقرير ده عن الأنفجار اللى حصل ف مول التجاره

أعتدل (شارون) وهو يسأل فى إهتمام
• كام فلسطينى عملوها..؟؟؟، ومسكتوهم وله ماتوا.......؟؟، هه أتكلم

تنحنح الجندى ثم أمسك الورقه وبدأ فى قرأتها بصوت عال متجهم
• العمليه تمت بفلسطينى واحد، فجر نفسه بحزام ناسف، ومفيش أى حد ساعده والمصابين أكتر من 80 ده غير 45 ميت

هب (شارون) من مجلسه فى إنزعاج وهو يلوح بيده ويختطف الورقه من يد الجندى
• واحد بس، وفجر نفسه، وده بقى هلمه آذاى ؟؟!!!!!!!!!!، وآذاى يعمل كده الغبى ده، هو مش عارف أن فى ناس بتستنفع منه بعد ما يموت.....!!!!!!!!!!!

ثم أخذ يروح ويجئ فى الغرفه وهو يفكر ويفكر
ويفكر

* * * *
بعد مضى أكثر من 7 اشهر
ومع تزايد العمليات الأستشهاديه وتساقط القتلى والجرحى الأسرائيلين عقد (شارون) إجتماع مصغر مع (بن اليعازر) فى حجرة مكتب الأخير ودار بينهما حوار ساخن للغاية
• تفتكر يا (زر) أيه اللى يخلى العيال دول يموتوا نفسهم بالطريقه المنيله دى..؟؟؟
• بصراحه يا (شرى) أنا خايف يكونوا عرفوا اللى أحنا بنعمله، يعنى أقصد عمليات التصدير المستمره والخواجه بتاع السندوتـ..

قاطعه (شارون) فى غضب
• أيه لم لسانك الحيطان لها ودان، ولازم تعرف أن محدش يعرف الحكايه دى غيرنا آحنا الأتنين
ثم هب من مجلسه فى غضب محاولاً تغيير دفه الحديث
• أسمع يا (زر)، الحكايه كده مش نافعه، بعد ما كنا وصلنا لأعلى نسب التصدير، من ساعه العيال دول ما أبتدوا يفرقعوا نفسهم وأحنا قربنا نشحت، والحكايه ما بقتش سهله خصوصًا وعيون العالم بقت مفنجله ع الأخر، لازم نشوف حل وإلا يا حلو لاحيبقى فيه أرباح ولا يحزنون
قام (اليعازر) من مجلسه وأتخذ طريقه فى المكتب ذهابًا وإيابًا، قبل أن يتجه بعينيه إلى (شارون) وهما تلتمعان كعينى ذئب جائع
• لقيتها يا (شرى)، لقيتها........

أرتسمت الفرحه على وجه (شارون) وهو يستحثه على الأفصاح عما وصل إليه
• هه قول
• (الجدار الواقى) مفيش غير كده، نلم نفسنا قصاد شعب أسرائيل، وف نفس الوقت نلم بضاعه ما تقلش عن 10 مليون، هاه أيه رأيك

صمت (شارون) بعض الوقت قبل أن يجيب فى حسم
• موافق بس تفتكر أيه أنسب مكان
• وهى دى عايزه كلام مفيش غيرها (جنين) مش كده وله أيه...؟؟؟؟!!!!!!!!!!!

* * * *
فى الصباح التالى بدأ هجوم شكلى على كافه مدن القدس والضفه الغربيه وقطاع غزه، وإن كان الهدف الأساسى هو تدمير مخيم جنين، ومحوه من وجه البسيطه، وبعد أن تم لهم ما أرادوا تسلل جنود الأحتلال فى الظلام، وجمعوا جثث الضحايا الذين هدمت عليهم بيوتهم وأشاعوا أنهم قد دفنوها فى مقابر جماعيه لا وجود لها، والحقيقه أنهم قد..........!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

* * * *
• شالوم، ايوه يا خواجه، أيه الطلبيه وصلت تمام، طيب يا سيدى أى خدمه والتحويل يا خواجه، أمتى، ماشى، أيوه آآمر، أيه، طلبيه تانيه وماله، أصبر عليا شويه لما أوضب حته جديده بعمليه روشه وهديك آلو، شالوم يا خواجه

* * * *
فى إحدى الدول العربيه، المفروض على شبابها مقاطعه كل ما يمت بصله لأسرائيل ومؤيديها، جلس أثنان من الشباب يتناولان ما لذ وطاب من أطعمه التيك آواى، ولم يلفت أنتباههم قطعه صغيره من علم داخل أحد السندوتشات التى يأكلانها فى نهم

علم بإلوانه المميزه

العلم الفلسطيني!!.

إرسال تعليق

0 تعليقات