الدين والدستور..!! - مدونة حسام

أول مدونة مصرية وعربية تعتمد الألش أسلوب حياة!

Navigation-Menus (Do Not Edit Here!)

Hot

Post Top Ad

19 مارس 2011

الدين والدستور..!!

بعد قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذي يدير شئون البلاد منذ نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك) بإعتماد التعديلات الدستورية التي جرى عليها استفتاء شعبي غير مسبوق مارس الماضي، ثم إصدار إعلان دستوري لتنظيم سير العمل تمهيدا لإجراء أنتخابات برلمانية ورئاسية وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد خلال الأشهر القليلة القادمة.. ظهرت في الأفق بوادر أزمة ساهم بعض الخبثاء والجهلاء في تأجيج لهيبها وإشعاله، حول كينونة المادة الثانية من دستور 71 التي ظهرت في الإعلان الدستوري للقوات المسلحة، والمعنية بماهية الدولة وتأكيد هويتها بالاعتماد على الدين الإسلامي كأساس للتشريع.

وتنص المادة على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."

وظهر الصراع والجدل قبل الأستفتاء على التعديلات الدستورية التي طرحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأشتد بعد الإعلان الدستوري، فالبعض يطالب بدولة مدنية بعيدا عن الدين، على اعتبار أن نسبة الأقباط في مصر ليست بالقليلة، فيما يرى آخرون أن الهوية الأساسية للمصريين هي الأسلام، ولن يصح حال البلاد دون الاعتماد على الشريعة الإسلامية.

الصراع والجدال وصل لحد تكفير الآخر، على اعتبار أن من ينادي بدولة مدنية، ملحد زنديق يسعى "لخراب البلد ونشر العربدة"، فيما أعتبر الأقباط أن هذه المادة تنتقص من حقوقهم وتعتبر دعوة صريحة للطائفية، وهي إرث من النظام البائد لابد من تغييره.

وبين هذا وذاك ظهرت دعوات بترك المادة على حالها دون إلغاء مع إضافة فقرة تؤكد أن الإسلام ليس المصدر الوحيد للتشريع، أو فقرة تضمن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين، إضف إلى ذلك أن المادة الثانية عشرة جاء في نصها أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية"، فلماذا التمسك بحذف هذه المادة أو تعديلها، ولماذا يثور الجدل حولها من الأساس؟.

بداية فمن الناحية التاريخية كانت الشريعة الإسلامية فيما قبل إنشاء المحاكم الأهلية 1883 هى الشريعة العامة التى تطبق على كافة العلاقات القانونية فى مجال المعاملات والتجريم والعقاب، أى أن الأحكام المستمدة من الدين كانت المصدر العام للقانون فى غير ما وردت به نصوص تشريعية خاصة صادرة من عاصمة الدولة العثمانية أو من حاكم مصر فى حدود ولايته.

ومنذ أوائل القرن التاسع عشر وتحديدا عصر محمد على واكب التشريع المصرى الاتجاه العام الذى كان يتزايد تدريجيا فى الامبراطورية العثمانية من الاعتماد على التشريعات المستندة إلى اعتبارات المصلحة والاستفادة من الحلول التشريعية الأوروبية والتوسع فى المجالس القضائية التى تباشر اختصاصها بجانب المحاكم الشرعية التقليدية.

والمثير للدهشة أن التحول عن أحكام الفقه التقليدى لم يواجه بأى رد فعل اجتماعى أو سياسى، بل لقد خلت الوثائق الدستورية التى عرفتها مصر فى بداية إطلالها على التنظيم الدستورى الحديث من أى إشارة إلى دين للدولة أو إلى الشرائع الدينية كمصدر للتشريع.

والواقع أن النص فى الدستور على أن الاسلام دين الدولة لم تعرفه الدساتير والوثائق القانونية الأساسية فى مصر إلا مع صدور دستور 1923 إذ نص فى المادة 149 منه على أن الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ثم تبنت الدساتير اللاحقة هذا النص، فورد بنفس العبارات فى المادة 138 من دستور 1930 والمادة الثالثة من دستور 1956 وإن كان قد جرى إغفاله فى دستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقت 1958، وفى الاعلان الدستورى الصادر سبتمبر 1962، إلا أن النص عاد للظهور 1964.

ومنفردا خطا دستور 1971 خطوة أكثر توغلا فى الربط بين الدين والقانون، كون الرئيس السادات كان يبحث عن شرعية جديدة تميز نظامه عن يوليو 1952، فوجد ضالته في اكساب الدولة طابعا دينيا فيما عرف وقتئذ بـ (دولة العلم والايمان)، فلم تكتفي المادة الثانية بالنص على أن الإسلام دين الدولة كما كان الحال فى الدساتير السابقة بل اعتبرت الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع.

ففي عام 1980 اتخذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرارا بتعديل بعض مواد الدستور كان من ضمنها المادة الثانية لتصبح الشريعة الإسلامية بمقتضاها هى المصدر الرئيسى للتشريع، بالإضافة إلى تعديل آخر للمادة 77 يقضي بإطلاق مدد ولاية رئيس الجمهورية دون حد أقصى.

ومع الإقرار الرسمي للتعديل ثارت حساسيات شديدة لدى الأقباط فى مصر وخارجها، على اعتبار أن دساتير مصر فيما قبل 1956 لم تكن تتعرض لدين الدولة من قريب أو بعيد.

وصاحب هذه الحساسية أو نجم عنها، مجموعة من المعلومات غير الصحيحة عن الدور الذى لعبته هذه المادة فى إشاعة الفرقة بين الأقباط والمسلمين وتدنى الوضع القانونى للأقباط، وهى معلومات راجت فى ظل مناخ غير صحى كرسه التصريح الشهير للرئيس أنور السادات والذى أعلن فيه أنه "رئيس مسلم لدولة مسلمة"، ما أعطى انطباعا أن الأقباط قد صاروا مواطنين درجة ثانية، بالرغم من أن هذه الحقيقة غير صحيحة ولا تنطبق مع الواقع الفعلي، فالحكم على تأثير هذه المادة على الأوضاع القانونية للأقباط لا يمكن الركون فيه إلى تصريح غاضب من الرئيس السادات، لكن إلى الواقع الموضوعى الذى أحدثته فى العلاقات القانونية التى يكون الأقباط طرفا فيها، لا سيما أن قوانين البلاد لم تستمد من الشريعة، حتي أن بعضها يخالف نصوصاً قاطعة في القرآن مثل الزنا والسرقة وقطع الطريق.

لكن ماهي الصيغ السائدة للعلاقة بين الدين والدولة على الساحة العالمية، وهل هناك دساتير آخرى تقر بهوية دينية؟

يبلغ عدد المسلمين فى العالم ما يربو على البليون والثلاثمائة مليون نسمة موزعين فى أربعة وأربعين دولة ذات أغلبية إسلامية، أما الباقون فيعيشون فى دول غير إسلامية.

وهناك عشرة بلدان تنص دساتيرها على أن الدولة إسلامية الطابع والمعاملات وهى: (أفغانستان والبحرين وبروناى وإيران والمالديف وموريتانيا وعمان وباكستان والمملكة العربية السعودية واليمن).

فضلا عن إثنتا عشر دولة أخرى نصت دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة دون أن ينعكس
ذلك فعليا على طبيعة النظام السياسى فيها، وهي: (الجزائر وبنجلاديش ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا وماليزيا والمغرب وقطر وتونس والإمارات).

أى أن اثنتين وعشرين دولة يعيش يها ما يقرب من 58 % من مسلمى العالم ربطت بين الدين والدولة على نحو ما فى دساتيرها.

في المقابل هناك إحدى عشر دولة تعيش بها أغلبيات مسلمة نصت دساتيرها صراحة على أن الدولة علمانية وهي: (بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالى والنيجر والسنغال وأذريبجان وكيرجستان وطاجيكستان وتركمانيا).

ثم إحدى عشر دولة أخرى من بين الدول ذات الأغلبية الإسلامية لم تتضمن دساتيرها أى إشارة إلى الطابع الدينى أو العلمانى، منها: (ألبانيا ولبنان وسوريا وجزر القمر وجيبوتى والصومال وإندونيسيا).

ومن الأمثلة السابقة لاحظ كثير من الباحثين إن النص فى الدستور على أن الإسلام دين الدولة الرسمى أو أن الشريعة هى مصدر التشريع أو المصدر الرئيسى له لا يترتب عليه بالضروة أن تتحول الدولة من مدنية إلى دينية أو أن يتحول غير المسلمين إلى أقلية منقوصة الحقوق.

فالغالب أن هذه النصوص لا تؤدى إلى إحداث انقلاب فى النظام التشريعى وإنما أدخلت لظروف سياسية ارتبطت بعملية الصراع السياسى بين النظم الحاكمة والجماعات السياسية.

وعامة لم يصدر منذ تعديل دستور 71 بإضافة المادة الثانية الخاصة بالهوية الدينية للدولة أي تشريع أو قانون يحتوي على أقل قدر من شبهة التمييز بين المسلمين وغير المسلمين، أو على أن الدولة فى مصر قد تحولت إلى دولة دينية يحتل فيها غير المسلمين مرتبة ثانية.

ومع ذلك فثمة حجة يرددها معارضو هذه المادة لا سيما أقباط المهجر، أنه يجب أن تكون قوانين الدولة وفي مقدمتها الدستور، محايدة بين الأديان المختلفة التى يعتنقها المصريين عملا بمبدأ المواطنة، لأن الدين لله والوطن للجميع، فمن شأن الخلط بن القانون والدين أن تصبح الدولة منحازة لفئة على حساب آخرى، ما يضرب مبدأ المواطنة والمساواة فى الصميم (حسب وجهة نظر اقباط المهجر).

ومع التسليم بوجود مشكلات يتعرض لها الأقباط في مصر فهل نعالج التمييز بتكريس الطائفية على المستوى القانونى والسياسى أم بانخراط الجميع فى برامج متعددة تقوم على أساس أن الدين لله والوطن للجميع وعلى أساس من مبدأ المساواة أمام القانون؟، وهل من المناسب أن يقنن الدستور حصة مناسبة للأقباط وفقا لنسبتهم لعدد السكان فى الوظائف العامة وفى المجالس التمثيلية تشريعية كانت أم محلية؟.

الذين يجيبون على السؤالين يستندون إلى مجموعة من الحجج:

الأولى تتمثل فى مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون (فمن حق كل الجماعات الدينية والثقافية أن تعامل معاملة متساوية فيما يتعلق بتمثيلها فى أجهزة الدولة).

والثانية تنطلق من ضرورة الإقرار بالتعددية الدينية والثقافية والاجتماعية كأساس لتنظيم المجتمع (فلم يعد المجتمع شموليا يسيطر فيه أصحاب دين أو ثقافة او عرق على أجهزة الدولة، بل لابد أن تكون المؤسسات الرسمية معبرة عن مختلف التنوعات والتغايرات الموجودة).

والثالثة تتمثل فيما هو شائع عن ضرورة أن يقوم النظام السياسى الرسمى وفى مقدمته الدستور باعتباره الوثيقة القاونية الرئيسية بتقديم الدعم الإيجابى للفئات التى عانت من التهميش فى فترات تاريخية معينة بهدف إعانتها على الإنخراط فى المجتمع بتخصيص حصص لأعضاء هذه الجماعات سواء فى الجهاز الوظيفى أوفى المجالس النيابية.

ويعتبر الدستور اللبنانى فى مادته الرابعة والعشرين خير نموذج للتقسيم الطائفى، فهو ينظر إلى الطائفية السياسية على أنها إرث بغيض يجب التخلص منه، وتنص المادة 24 على: "وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفى توزع المقاعد النيابية بالتساوى بين المسيحيين والمسلمين نسبيا بين طوائف كل من الفئتين وبين المناطق).

وثمة نموذج آخر تقوده وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية للطائفية السياسية فى العراق، حيث توزع المناصب السياسية وفقا للتمثيل الطائفى، ما يقوض مفهوم الدولة ويحولها من السعي لتحقيق الصالح العام لكل مواطنيها على قدم المساواة إلى دولة تتكون من عدد من ممثلى الكيانات الطائفية يدار الصراع السياسى فيها على أساس عنصري بحت يشعل الخلافات ويأجج الصراعات.

وأخيرا فإن العالم المعاصر يشهد أربع أنماط لعلاقة دستور الدولة بالدين:

الأول دستور شمولى منزوع الدين يتفق مع نمط من العلمانية ويقوم على (الحرية ضد الدينfreedom against religion) وهى الصيغة التي يعتنقها السوفييت، حيث ترى النخبة الحاكمة أن الدين فى ذاته خطر والتدين مؤشر تخلف.

الثاني دستور شمولى يميز دين الأغلبية ويحظر أديان الأقليات الأخرى، وهي الصيغة التي ترتبط بتأويلات متشددة يتبناها أتباع دين الأغلبية، ومنها دستور 1990 فى نيبال، الذى جعل منها مملكة هندوسية مع الرفض الصريح للاعتراف بحق المسلمين والبوذيين والمسيحيين فى ممارسة شعائر دينهم، وقد تم تعديل هذه المادة مع الانقلاب العسكرى فى 2007.

والخطر الحقيقى فى هذا النمط أن تزعم أى طائفة حقها فى أن تشرع لكل المجتمع باسم الدين فى حدود تفسيرها الضيق لنصوصه غير عابئة بحقوق الأفراد من الديانات الأخرى أو من داخل نفس الدين، فيتحول الدين إلى أداة قمع لا عدل.

الثالث دستور ليبرالى محايد يحترم جميع الأديان، ويقف خلف هذا النمط فلسفة علمانية تفترض (حرية الدين freedom of religion)، وهى النموذج الليبرالى الأصيل كما هو فى الصيغة الأمريكية والكندية والاسترالية واليابانية، حيث تحترم الدولة عقائد المواطنين فلا تحابى دينا على حساب آخر ولا تسمح بأن تكره أى طائفة شخصا على الشعور بالحرج من التعبير عن رموزه الدينية أو تبنى عقيدة دون آخرى.

الرابع دستور ليبرالى يقرر وضعا خاصا لدين الأغلبية مع ضرورة أن يكون هذا الدين نفسه لديه القدرة على استيعاب الحقوق الأساسية لأتباع الديانات الأخرى (وهو الشرط المتحقق فى الإسلام بحكم نصوصه وقدرته على التعايش مع الأديان الأخرى فى مناخ من "البر والقسط")، على أن يقرر القانون نصوصا فوق دستورية تمنح أتباع الديانات المختلفة حقوقا متساوية أمام القانون.

الخلاصة أنه لا يوجد في مصر من يؤمن بإبعاد دينه عن الحياة لا مسلما كان ولا مسيحيا.

السياسة يجب أن تهتدي بالدين لأنه يجب أن يخشى السياسي الله ويتقيه ويعي بأنه سيحاسب وكذلك يجب للدين أن يهدي السياسة بمعنى أن يقدم لها القيم والأخلاق والنماذج التي يجب أن يتبعها السياسيين في تنظيم شئون الحياة.

Post Top Ad