عملية الداسوس

بشكل متعمد، أو غير مقصود، يتندر العامة على أبناء الوجه القبلي (الصعايدة) في نكات، وقصص قد يكون بعضها حقيقي، ويصل البعض منها حد الخرافات مستحيلة التصديق.

ما نرويه هنا، هو مزيج بين هذا وذاك.. مع التأكيد على كامل احترامنا لأبناء هذا الجزء العزيز من أرض مصر، واعترافنا الكامل بما يضمه من كفاءات ونوابغ في شتى مجالات العلم والمعرفة.

نحكي عن جهاز مخابرات (محلي) في كل شيء، له مقر من البوص وسط زراعات القصب، ويقود عملياته رجل واحد له شارب كثيف، وعقل أخف من جناح باعوضة !!.

<><><><><>
إحدى محافظات الصعيد، حيث الخضرة والهدوء، والمناظر الجميلة وقت شروق الشمس

منزل من طابقين .. الباب الخشبي، والنوافذ المفتوحة بلا خوف، الردهة الواسعة وتلك الحجرة التي يصدر عنها صوت مألوف، صوت شخص يغط في نوم عميق ..

(هريديييييييييييييييييييييييييي)
أرتعدت فرائص (هريدي) وهب من نومه وهو يلعن اليوم الذ........

• لساك نعسان لحد دلوك يا واد الفرطوس
كان أباه الحاج (هدهد) كبير الكفر وأحد الأعضاء المؤسسين لجهاز مخابراته والذي يفخر (هريدي) بأنه رئيس عملياته بل والعضو الوحيد القادر على تنفيذها:
• معلهش يا بوى، بس جرى إيه مالك مغبر ليه حوصل إيه؟

طااااااااااااااااااااااااااخ
• لساك جاعد وبتسعل يا دحش

يضع (هريدي) يده على مؤخره عنقه المحمرة:
• به، ولزمته إيه الضرب يا بوى، أنى كبرت ع الضرب ده

طااااااااااااااااااااااااااخ
• كبرت على بوك يا واد المحروج، فذ جوم والبس خلاجاتك وحصلنى على مجر الدهاز

<><><><><>
أسرع (هريدي) بارتداء جلبابه وبلغته وعصب عمامته حول رأسه وهو يحث الخطا خلف أبيه حتى وصلا إلى كوخ قديم مبنى من البوص وسط زراعات القصب يقف على اجنابه الأربعه أكثر من غفير يحملون الشوم والطوب والاسلحه الخفيفة (بُلغ)، وفى الداخل جلس ثلاثة رجال حول مائدة مستطيله تعرفهم (هريدي) على الفور فهم كبار الكفر الحاج (أبو كماله)، والحاج (أبو طاقية)، والحاج (معفر).

• إتوخرت ليه يا حاج (هدهد)
• معلهش يا رداله، واد الفرطوس ده كان نعسان

نظر الحاج (أبو كماله) رئيس الجهاز والمسئول عن ملفات العملاء في الكفور والنجوع المجاورة، إلى (هريدي) وهو يبتسم وأكمل حديثه:
• ع نخش في الموضوع دوغرى، شوف يا (هريدي)، إظنيك خابر إحنا جبناك أهنه ليه دلوك وإحنا عارفين لساك راجع من عملية كفر البلغ ما بجلكش يومين

ببلاهة ينظر (هريدي) والعماص يقفز من عينيه:
• له ما خبرش

طااااااااااااااااااااااااااخ
• يا واد الفرطوس لساك نعسان، فوج الله يخرب بيت أبوك
• به، يا حاج (هدهد) أكده مش طريجه كلام عاد، سيبنا نفهمه بطريجتنا
• خلاص خلاص ع سكت اهه

يكمل (أبو كماله) بينما يلتزم الجميع الصمت:
• طبعا أنت عارف يا (هريدي) أن إحنا أهنه ف الكفر بنجمع المحاصيل كلاتها ونبيعها وبعدين ندسم الأرباح بالعدل حسب محصول كل فلاح أو كل صاحب ارض فاهم دي وله لع

• فاهم، فاهم يا حاج بس إيه المشكلة

طااااااااااااااااااااااااااخ
• يا واد الفرطوس .. اصبر على رزجك وسيب الحاج يكمل حديته
• باه يا بوى جفاى أكده يورم عاد

يضرب الحاج (أبو طاقية) مسئول الأمن في الجهاز، على سطح المنضدة وهو يصرخ:
• إوبعدين، محناش ع نخلص دلوك يعنى، كمل يا (أبو كماله)

يتنهد الحاج (أبو كماله) ويكمل حديثه:
• المشكلة يا ولدى إن كفر الدعابسه باع محاصيله السنة دي بسعر أجل م اللي كنا عنبيع بيه والمحاصيل بتاعتنا فسدت إبفعل فاعل وما عنعرفش أزاى، وأمبارح بس جتنا برجيه من أهم عميل لينا ف كفر الدعابسه، مكتوبه بحبر البنجر واللمون على ورجه كرنب او بالشفره كمانى

يلتقط الحاج (معفر) مسئول الشفره والبرقيات فى الجهاز، الحديث وهو ينفخ فى أسى:
• بيجول إن في داسوس إهنه فى الكفر وإنه ناوى يحرج محصول الفواكه اللى عنبيعه بعد سبوع، فهمت يا ولدى..!!!!!!!!

إعتدل (هريدي) فى جلسته وأمال رأسه الى الأمام ونظرة البلاهه مازالت فى عينيه و.......

طااااااااااااااااااااااااااخ
• ماترد يا دحش، مش بيجولك فهمت وله لع، رد عتجيبلى العصبى، داهيه تاخدك وتخلصنى منيك

يهب (هريدي) من مقعده وهو يمسك مؤخره عنقه ويبتعد عن مجال يد أبيه و يقول:
• فهمت بس ما فهمتش أنتو عايزين منى أيه..؟؟

ترتفع صيحات الغضب والإستنكار بينما يمنع الحاج (أبو طاقيه) الحاج (هدهد) من القيام خلف أبنه لصفعه من جديد ويجيب الحاج (أبو كماله) فى ضيق:
• صبرنا يا رب مخبرش كيف بجيت ريس العمليات، المطلوب يا دحش تعرفلنا مين الداسوس ده وتمسكه جبل ما يولع ف المحصول، فهمت وله لع

ويكمل الحاج (معفر) فى نبره ملؤها الحماس:
• ناعسه محتجالك يا (هريدي)
• باه ناعسه مرة العمده

طااااااااااااااااااااااااااخ
• يا بوي .. ناعسه يا دحش .. كفر ناعسه، الكفر اللى أنته عايش فيه يا بهيمة، ربنا يورينى فيك يوم

يتدخل الحاج (أبو طاقيه) ليحول بين الحاج (هدهد) وولده وهو يصرخ:
• خلاص بجى يا حاج (هدهد) خلينا فى اللى إحنا فيه عاد الكفر ف خطر شد حيلك يا (هريدي) يا ولدى

هم (هريدي) بالقاء كلمه عندما لمح شئ فى أحد أركان الكوخ، فاندفع إليه وسمع الحاج (أبو كماله) وهو يساله:
• أيه فى أيه يا ولدى...؟؟!!

أشار له (هريدي) أن يصمت وهو يمد يده ويلتقط كوز نحاسى قديم يتدلى منه خيط رفيع خارج الكوخ، فوضع يده ليكتم الكوز وهو يقول:
• الداسوس سمع كل حديتنا إولزمن نعرف مكانه جبل ما يلحج يرتب نفسه

فغر الحاج (أبو كماله) فاه بينما تمتم الحاج (هدهد) وهو يقترب لمشاهده الكوز:
• إوعتعرف مكانه كيف يا فالح..؟؟!!!!!!!!!

تووووووووووووووووووووووووووووووووت
• آآآآآآآآى، يا (هريدي) يا واد الـ.........

طااااااااااااااااااااااااااخ
• إكده جبتلى الشتومه يا واد الفرطوس

أندفع الحاج (معفر) لتخليص (هريدي) من بين يدى والده وهو يقول:
• بس يا حاج (هدهد)، الصوت اللى طلع من الكوز بعد ما (هريدي) صفر فيه مش غريب وله إيه يا رداله

أجاب الجميع، إيوه... إيوه
• يكن صوت مين ده، دى بجى مهمتك يا (هريدى) ربنا يوفجك يا ولدى

وفى مكان ليس ببعيد عن الكوخ وضع أحد الأشخاص يده فى أذنه وهو يتمتم فى غيظ
• طيب يا (هريدي) إن ما وريتك يا واد الفرطوس

<><><><><>
فور إنتهاء الإجتماع بدأت تحركات رجال الجهاز على الفور، حيث أشرف (هريدي) بنفسه على وضع وتخزين محصول الفاكهه فى أحد الأجران الكبيره فى الكفر، تمهيدًا لبيعه فى الميعاد المحدد، وقام بتوزيع نقاط الحراسه على الغفر وتأمين جميع مداخل الجرن بالشراك الخداعيه (حبات الطماطم والليمون ونوا البلح)، فالجرن يواجه ترعة الكفر، بينما تُحيط به زراعات القصب من باقي الجهات.

ولثلاثه أيام لم يذق (هريدي) طعم النوم وهو يراقب ويراقب، ويتصدى لمحاولات عشوائيه متكررة من الجاسوس لإحراق المحصول بربط الجمرات المُشتعلة إلى ذيول الحيوانات الضالة كالقطط والكلاب.

محاولات مضنية قام بها الجاسوس دون أن يُفلح في مسعاه، ودون أن يسقط أيضا برغم الحراسة المكثفة، والتسليح افضافي الذي أمد به هريدي اللخفراء من (قباقيب ونبل طويل المدى)

وفى مكان لس ببعيد عن موضع تخزين المحصول رقد أحد الأشخاص الملثمين مختفيا بين الزراعات الكثيفة وهو يعض على شفتيه فى غيظ متمتما:
• وماله لسه جدامنا وجت يا واد المحروج ومسيرى عدمرك يا (هريدى)

<><><><><>
فجأه تفتق ذهن (هريدي) عن فكره تعجل بظهور الجاسوس وتربك خططه وتوقعه فى شر اعماله، فاسرع بنشر خبر عن النيه فى بيع المحصول، مقدمًا الميعاد يومين كاملين، حتى يظهر الجاسوس ويخاطر بكشف نفسه قبل أن يتم البيع

وهكذا إختبا (هريدي) داخل الجرن وهو يترقب ظهور الجاسوس بين لحظه وأخرى

وفجأه .. ززززززززززززززززززززززززئ

انفتح باب الجرن ودخل أحد الأشخاص متسللاً وهو يتلفت حوله، فهم (هريدي) بالهجوم عليه، لولا أن سطع النور على وجه ذلك الشخص وهو يدخل دائرة الضوء

• أباى (العمده)، معدوله دى

• أيه ده، الغفر الحمير دول نايمين وسايبين الدرن من غير حراسه، إوفين الدحش الكبير (هريدي)

أستند (العمده) الى أحد الأقفاص فأختل توازنه وسقط على ظهره فأصطدم رأسه بأحد الأحجار وفقد الوعى

• باه (العمده) نام، يبجى مش هوه الداسوس

<><><><><>
وفي الخارج
تسلل ذلك الملثم وهو يحمل جركن إلى داخل الجرن المفتوح، وأسرع بإغلاق الباب خلفه، ونزع غطاء الجركن، ساكبا محتوياته بسرعه على الأرض وهو يحدث نفسه:
• هع، عحرج المحصول كلاته وإبجى ورينى عتعمل أيه يا (هريدي)..؟؟!!!!!!!!!

ومن مخبئه رآى (هريدي) ما يفعله ذلك الغريب:
• مين ده، وأيه اللى بيعمله ده، فى حد يسجى الزرع بعد مايتجلع

وعندما حقق (هريدي) فى وجه الملثم:
• أيه ده، ده (محروس) ولد العمده، وأيه الريحه دى، يابوى ده داز .. ولد (العمده) هو الداسوس

قفز (هريدي) من وسط أقفاص الفاكهه وبلغ (محروس) قبل أن يشعل الكبريت فاختل توازن الأخير وسقط الكبريت من يده وتراجع للخلف وهو يصرخ:
• أنته جيت من وين إوكيف دخلت من غير ماشوفك

• أنى (هريدي) الخفى يا ولد (العمده)، أدخل وأخرج من أى موكان زى مانى عايز، أنته بجى الداسوس .. عتبيع أهلك وأرضك عشان الدعابسه، عيدولك أيه دول يا واكل ناسك!!!!

• عيدوله بتهم يا ولدى
كان (العمده) وقد أفاق وأستند إلى أحد حوائط الجرن

• ولدى عيبيعنى ويبيع أهله عشان الأغراب، عمرك شوفت أكده، وعدوه ببتهم ومهرها يحرج أرضنا وزرعنا ويخرب بيوتنا، حد يعمل أكده يا ناس.......؟؟!!!!!!!!!!!

ثم أرتفع صوته وهو ينادى الغفر النائمين فأقتحموا الجرن كالثيران وسقطوا فوق (محروس)، والعمده يواصل الصراخ ويشير إلى نجله

• أمسكوه وخدوه ع الدوار، أنى جاى وراكوا عشان نشوف أيه اللى عنعمله فيه..؟!!

إنصرف الغفر بينما التفت (العمده) إلى (هريدي) ووضع يده على كتفه مبتسما:
• أما أنت يا بطل فمجامك عندى دلوك بجى كبير دوى، ناعسه وأهلها كلهم عيحطوك ف عنيهم يا ولدى

(هريدي) واضعا رأسه ف الأرض من الخجل:
• أنى ما عيملتش حاده يا عمده، ناعسه فى جلبى ومعحبش حد غيرها واصل

(العمده) صارخًا والغضب يتطاير من عينيه:
• عتجول إيه ياواد المحروج أنت، عتحب مرتى كيف يا دحش

طاااااااااااااااخ دب طييييييييييخ اااااااااااااااااااى
لاااااااااااااااااه مش جصدى اااااااااااااااااى طاااخ

أحم لا داعي لسرد المزيد من التفاصيل، فلا تأثير لها على مجرى العملية الناجحة، بإستثناء أنها قد تضر بسمعة الرجل الهريدي

تمت

رسوم الغلاف للفنان الجزائري: حمود عصام