
مترو الأنفاق، أو النقل العادي بما يشمله من (ميكروباص – أتوبيس – ميني باص "أبو جنيه ونص")، وكلها وسائل تفرض عليك، أو ترغمك إن شئنا الدقة على الأحتكاك الدائم بالطبقتين المذكورتين أعلاه، إن لم يكن التلاحم التام!!.
ولو بدأنا مقارنة بين هذه الوسائل، سنجد أن المترو (برغم أعطاله والزحام الذي لا يطاق في فصل الصيف) يبقى متفوقا بلا منازع على قرنائه، لا سيما وأنه في الأحوال العادية يقطع المسافة بين مكان عملي ومنزلي، في وقت لا يسمح بتطور أي نقاش أو مناظرات إنسانية، وحتى لو حدث، فيمكنك ببساطة أن تبتعد عن مكان النقاش، أو تغادر العربة كلها في أقرب محطة لعربة آخرى.
أما الأتوبيس، والميكروباص، فكلاهما لا أستخدمه إلا في رحلات قصيرة المسافة جدا، من مكان عملي لأقرب محطة مترو، على سبيل المثال، وهي مسافة أيضا لا تسمح بإي أحتكاكات بشرية.
وعلى العكس، يأتي السيد المبجل "الميني باص الأخضر أبو جنيه ونص) متفردا وعبقريا بلا حدود!!
فمخترعي هذه المواصلة والمسئولين عنها داخل مصر، تفننوا في إزعاج الركاب بكل الوسائل الممكنة، بداية من سائقين لا يعرفوا عن المهنة إلا دواسة الفرامل و"العربية فاضية جوه ياكباتن"، ومرورا بالعربات الضيقة التي يتم حشوها حشوا بعشرات البشر الراغبين في اللحاق بمصالحهم، وأنتهاء بالإعتماد على طريقة "ودنك منين يا جحا" في خطوط السير المعتمدة، والتي تتسبب في إعطاء الوقت كل الوقت لإي تلاحم بشري أن ينضج ويتم طهوه بكل اريحية!!.
والقصة التي حدثت معي كانت في أحد أيام عودتي إلى المنزل، فلسوء حظي لم أجد أمامي إلا "المحروس" ليعيدني بعد يوم عمل شاق، والمفترض أن المسافة بين المكانين (العمل والمنزل) لا تستغرق أكثر من ساعة أو ساعة وربع عشان تبقى المسئلة مبحبحة، لكن السيد المبجل يقطعها في ساعتين ونصف، وقد يتطور الأمر لثلاث ساعات كاملة!!.
بدأت الرحلة بالموال المعتاد عن الزحام و"وسعوا للناس على الباب يا جماعة العربية فاضية جوه"، مع أنها كانت علبة سردين، ثم فجأة وبلا مقدمات بدأ نقاش حاد بين اثنين من الركاب عن الثورة والعيال السيس اللي عملوها، والخراب اللي حل على البلد!!.
النقاش تطور وتعاظم عدد المتنحارين ليشمل كبار سن، وسيدات، وطبعا الأخ السواق.
"يا جماعة لازم نفهم أن فيه مؤسسات عليا ورا اللي بيحصل دلوقت ف البلد، أنتوا فاكرين البنت اللي طلعت في قناة المحور وقالت انها ادربت على قلب نظام الحكم، وكانت بتاخد فلوس، لازم نفهم بقى ونحس بالخطر.. البلد بتضيييييييييييع يا جدعان"
"على فكرة يا مدام البنت اللي بتقولي عليها دي طلعت صحفية، والموضوع كله كان فبركة"
"ألا قولي يا اسطى.. سمعنا أن التذاكر هترخص لجنيه بدل جنيه ونص"
"يا راجل.. هي الحداية بترمي كتاكيت"
"الشرطة لازم ترجع تاني يا جماعة.. البلد باظت والثورة دي خربت الدنيا، الواحد بقى خايف ينزل بنته ولا مراته!!"
"بعد اذنك يا حاج.. الشرطة كلهم (....) ولاد (....) ومينفعش نتزللهم بعد اللي عملوه ف اخواتنا، ده أنا كل ما اشوف عربية امن مركزي بيبقى هاين عليا احرقها باللي فيها"
هذه عينة من بعض المناقشات التي دارت فوق رأسي ذلك اليوم، أغلبها وإن يكن كلها ينم عن افتقار شديد لأبسط قواعد المناقشات، أن تحترم رأي الغير حتى يُحترم رأيك.
كل المتناحرين/ المتناقشين فقدوا الرؤية السليمة لأسلوب النقاش العلمي الذي ينبغي أن يتسم بالهدوء، وإتاحة الفرصة والزمن أمام الآخرين للتعبير عن آرائهم وافكارهم.
كلهم بلا استثناء كان يتكلم في توقيت واحد، وبكل ما اوتي من عزم صوتي وحنجوري.
يالهوي على وداني.
صحيح أنني وغيري من الركاب لم نشترك، ليس لقلة وعي أو رغبة في البقاء بجانب الحيط أو حتى لخوف من تطور تبعات المناقشة (وهو بالمناسبة ما كاد يحدث بالفعل)، أنما لأن الوضع لم يكن يسمح بالمزيد من هذا العك والبرررررررررررم والسمك لبن تمر هندي.
أرجو من كل مرتادي المواصلات العامة بإختلاف أنواعها أن يترفقوا بأمثالي.
من حقي أن أعود لمنزلي في وسيلة مريحة لايصيبني بسببها صداع مزمن ورغبة عارمة في الهجرة إلى بوركينا فاسو.
أرجوكم.. ترفقوا باخوانكم.. وكل واحد يحط لسانه ف بقه ويبطل يفتي.
0 تعليقات