مايو 2003 - مدونة حسام

أول مدونة مصرية وعربية تعتمد الألش أسلوب حياة!

Navigation-Menus (Do Not Edit Here!)

Hot

Post Top Ad

17 مايو 2003

عصابه عبده افندي

مايو 17, 2003 0
هذه القصه ربما حدثت وربما لم تحدث وربما لن تحدث ابدا، المهم ان نتخذ منها العبره والعظه في صراعنا مع الحياه

*****************
- عمو ممكن تعديني
إلتفت يمينا لأجد صبيا صغيرا لا يتجاوز عمره السنوات الخمس وعيناه فيهما نظرة تجمع التساؤل والتضرع معا

- ممكن يا حبيبي هات ايدك

انتقلنا الي الطرف الآخر من الشارع
- شكرا يا عمو

تكرر هذا المشهد اربعة ايام وفي اليوم الخامس وجدت نفسى مندفعا لمعرفة هذا الصبى الصغير
Read More

2 مايو 2003

أوقفوا هذه الدموع..!!

مايو 02, 2003
أشرقت شمس الصعيد، وأنقضت أشعتها الحارة كلفح النيران، لتُبخر إحساس النشوة الذى زرعته نسائم الليلة الماضية، و بدت زقزقة الطيور واضحة.. صاخبة، تُعلن ثورتها على هذه الحرارة الملتهبة، وهذا الجو الخانق، وعلى امتداد البصر ظهر موكب سيارات على بداية الطريق الصحراوى القادم من القاهره إلى محافظة سوهاج، سبع سيارات بدأت ملامحها تتضح شيئًا فشيئًا، حتى صار يفصلها عن مدخل المحافظه أقل من ثلاث كيلومترات، ومع شدة الحرارة وبراكين الهواء الساخن، التزم ركاب السيارات الصمت، خوفاً أن تُزيد الكلمات إحساسهم بهذا الجو، وداخل سيارة المقدمة، جلس شاب هادىء الملامح، يرتدى نظارة طبية، تنحدر دموعة غزيرة من أسفلِها إلى وجنتيه، وهو لا يكف عن التطلع إلى النعش الخشبى المُسجى أمامُه، وإلى جواره جلس شاب وسيم الملامح قوى البنيان، لا يكف عن الربت على كتفي الأول وكأنه يواسيه، وخلف عجلة القياده جلس شاب ثالث تنحدر دموعه هو الآخر فى صمت، وعلى المقعد المجاور جلس شيخ تخطى العقد السابع من العمر، يستند برأسه إلى زجاج السيارة وعيناه تحتجزان نهرًا من الدموع.

•    إلى أين اتجه الآن يا عماه...، لقد تخطينا مدخل المحافظة..!!؟

التفت العجوز إلى (محمد) قائد السيارة، وبدا لحظات وكأنه لم يستوعب السؤال أو لم يسمعه أساسًا، ثم هز رأسه فى بطء وهو يشير نحو طريق فرعى يبدو على مرمى البصر:
•    هناك، انحرف عند بداية الطريق، سأقوم بإرشادك أولاً فأول

مضت الدقائق بطيئة دون أن ينبس أىٍ من ركاب السيارة بحرف واحد، بإستثناء الإرشادات التى يُلقيها العجوز إلى (محمد) ويتبعها الآخير دون تعليق، حتى بدت شواهد القبور من بعيد، ومع رؤيتها أرتفع صوت الشاب ذى العوينات بالنحيب، فالتفت إليه العجوز مهدئـــًا:
•    رويدك يا (سمير) ليس البكاء من شيم الرجال..

ثم تهدج صوته وهو يتطلع إلى النعش الخشبى مكملاً:
•    كما أنه لن يعيد إلينا ما فقدناه، تمالك نفسك وكف عن البكاء......... رجاءً

توقف (سمير) عن البكاء بالفعل، والسيارة تقطع بهم عدة أمتار، بدت وكأنها الأمتار الأخيره، أمتار الوداع..........

<><><><><>
** يَأيتَهُا النَفُس المُطمَئِنةَ. آرجِعِي إلَى رَبكِ رَاضيًة مَرضِيًة. فَادخُلِي فِي عِبَدي. وآدخُلِى جَنتَِي **
صدق الله العظيم
(سُوَرة _الفَجر _ الآيات 30:26)

انتهت مراسم الدفن سريعه، وكأن الزمن يبخل علينا حتى فى لحظات الوداع القصيرة، أنصرفت جموع المعزين، ولم يعد باقيًا إلا هم، (سمير) وشقيقه (ثابت) و والدهما (عبد الله) وابن عمِهما (محمد)، وقف أربعتهم امام شاهد القبر، والدموع تنهمر على وجوههم فى صمت، غير مُصدقين أنهم وارو التراب أعز المخلوقات إلى قلوبهم
•    كفوا عن البكاء يا شباب.

التفت (سمير) و (ثابت) و (محمد) إلى العجوز (عبد الله) وهو يزيح آثار البكاء عن وجهه:
•    لقد أصبحت الأرض تحتكم وكأنها بحيره، ثم أنها رحمها الله اوصتنا بعدم البكاء

كان يبذل مجهودًا رهيبًا ليبدو امام ولديه وابن شقيقه متماسكاً رابط الجأش، والواقع أن قلبه مُمزق وكأن فصيله كامله تفرغت لطعنه لعدة اشهر دون مقاومه من جانبه، صحيح أن زوجته الراحله كانت تعانى مرضٍ عُضال، والأطباء أجمعوا على صعوبة شفائها، ولكنها لحظة الفراق، وما أصعبها على كل بشرى، مهما تظاهر بالبأس والجلد، والآن لم يعد امامه إلا تنفيذ الوصيه، الحفاظ على الأسره التى كونتها رحمها الله بالصبر والتعب:
•    هيا بنا، لقد قاربت الشمس المغيب، والأفضل أن نغادر الآن

انتهى من كلماته واتجه إلى حيث توقفت السيارة، فالقى الشبان الثلاث نظره أخيرة على القبر، ثم تبعوه فى صمت، فجلس (سمير) و (ثابت) فى الأريكه الخلفية، بينما احتل (محمد) مقعد القياده إلى جوار عمه (عبد الله)، وشرع يدير محركها
•    ما الأمر..؟، لماذا لا يعمل المحرك...!!؟

نظر (محمد) إلى (سمير) فى مرآة السيارة الداخلية، وهز كتفيه وهو يغادر مقعده لفحص المحرك:
•    لا آدرى لقد كان على مايرام، حقاً لا أدرى ما أصابه..؟؟!!

ابتسم (عبد الله) وهو يتابع (محمد) عبر زجاج السيارة وتمتم مداعبًا:
•    لعل المحرك يبغى إختبار قدراتك، الست مهندسًا ميكانيكيًا..؟

لم تلق دعابته رد فعل، فالتزم الصمت، وخيم الهدوء عليهم لبضع لحظات، قبل أن يغلق (محمد) غطاء السيارة ويعود إلى مقعد القيادة:
•    عجبًا، لقد نفذ الوقود..!!!

اعتدل (سمير) في مقعده وقد بدت عليه إمارات الإنزعاج:
•    ماذا....؟!!، ولكن كيف...؟!!، لقد قمنا بتعبئة كمية كافية من الوقود و.........

قاطعه والده (عبد الله):
•    لا بأس يا بنى، إنها إرادة الله، علينا أن نفكر الآن كيف نغادر هنا، قبل أن يحل الظلام..؟؟
نطق لفظ الظلام بطريقه تجمدت لها الدماء فى عروقهم، وحانت منهم التفاته إلى القبور، فأرتعشت اجسادهم وقفز إلى اذهانهم سؤال واحد

ترى ماذا يحدث لو لم يغادروا قبل حلول الظلام...........؟؟!!

<><><><><>
انتهى (محمد) من فحص محرك السيارة للمرة الرابعة، والتفت إلى عمه (عبد الله) الذي يجلس مُتطلعًا إلى القبور فى صمت:
•    المحرك سليم تمامًا، ولست ادرى كيف نفذ الوقود..؟و.......

هم (عبد الله) بالتعقيب لولا أن برز (سمير) من خلف السيارة وقد كست وجهه علامات الحيره:
•    الهاتف ايضًا لايعمل هنا..!!، كنت أظن أن محافظة سوهاج ضمن المناطق التى تمت تغطيتها بشبكات الإتصال
•    انها كذلك بالفعل..

التفت ثلاثتهم إلى (ثابت) الذى وقف عاقدًا زراعيه امام صدره، وأكمل:
•    كنت أظن أن عطبًا ما أصاب هاتفي، ويبدو أنني كنت مخطئًا، هناك أمر ما يعوق الأتصال هاهنا..!!

ابتسم (عبد الله) وهو يشير إلى (ثابت):
•    هكذا إذاً، أترُيد اثبات قدراتك كضابط شرطة..؟!، أخبرني هل تحمل سلاحك..!!؟
•    الواقع أنني أتفق مع (ثابت) فى شكوكه و....... مخاوفه

اِنتبهوا إلى (سمير) الذى بدَا التوتر واضحًا على ملامحه وهو يتابع:
•    الم تلاحظوا أن حراس المقابر قد أختفوا..؟!، نحن هنا منذ ساعة تقريبًا ولم نلمح أحدهم..!!!
•    ومن قال أن هناك حراس للمقابر هاهنا من الأساس

التفت الشبان الثلاثة إلى العجوز (عبد الله) وهو يتحدث دون أن تفارق عيناه شواهد القبور:
•    المنطقه هنا مقابر جماعية لعائلات محدودة ومعروفة من أهالي المحافظة، ولم يكن لها ابدًا حراس منذ تم إنشائها، وحتى هذه اللحظه

شد (ثابت) قامته وأعتدل متطلعًا إلى السماء التى بدأت تلُقي بخيوطها الحمراء إستعدادًا لقدوم الليل:
•    لا ينبغى أن نتوقف طويلاً أمام هذا الأمر، الأفضل أن نُفكر في سبيل للخروج من هذا المأزق، فالظلام وشيك..

وافقوه بإيماءه من رؤوسهم، بينما يتابع وهو يدير عينيه فى المكان:
•    لقد اضعنا الكثير من الوقت دون جدوى، وأفضل ما نفعله الآن، السير بإتجاه الطريق الرئيسي، فهناك سنجد الـ...........

قاطعه والده (عبد الله) وهو يدير عينيه فيما حوله:
•    فكرة صائبة، ولكن أخبرني،  أين هو الطريق الرئيسي......؟؟!!

وكأن قنبلة قد أنفجرت عقب قوله هذا، فالتفت الشبان الثلاثة يديرون أعينهم فيما حولهم بمنتهى التوتر، باحثين عن بدايه الطريق وسط مئات ومئات من شواهد القبور..

والحقيقة أن العجوز كان على حق تمامًا، فالمقابر تمتد إلى داخل طريق فرعى لإكثر من كيلومترين بعيدًا عن الطريق الرئيسي، والسير وسط المقابر فى محافظة كسوهاج تمتلىء جبالها بالذئاب وبعض الحيوانات المفترسة، وتحت الظلام، يعتبر ضربًا من الجنون.... والحماقة....

<><><><><>
•    لازلت غير مستوعب لفكرة بقائنا هنا حتى الصباح..!!

انتهى (محمد) من جمع بعض أعواد الحطب، والقى نظرة على (سمير) الذي يتابع وهو يتطلع فى توتر نحو الجبال:
•    البقاء هنا غير مامؤن على الأطلاق، حتى لو أحتميت داخل سيارة..

ابتسم (عبد الله) وتأمل (ثابت) وهو يواصل محاولاته لإجراء محادثة عبر هاتفه المحمول:
•    لا داعى لكل هذا التوتر يا (سمير)، فلن نبقى هنا للأبد، الآمر لن يتجاوز بضع ساعات، فقط..
•    هل جمعت الحطب يا (محمد).

اومىء (محمد) برأسه وهو يضع أعواد الحطب امام السياره، فاقترب (ثابت) وهو يضع الهاتف في ملابسه:
•    أحسنت، دع لى مهمة إشعالها إذاً، الليل هنا سيكون باردًا بعكس لهيب النهار تمامًا.

بدأ (ثابت) فى إشعال الحطب، بينما تراجع (عبد الله) مستندًا برأسه إلى جانب السيارة وهو يتأمل السماء:
•    هل تعلمون.. ؟؟

التفت إليه الشبان الثلاثة، فتابع وعيناه لا تفارقان السماء، وكأنه يستمد كلماته من ملامحها المظلمه:
•    موقفنا هذا يذكرني بقصة قديمة، كنت أسمعها من جدتى وأنا فى الخامسة من عمري

انتبهت حواسهم، وقد جذبتهُم كلماته، فتابع وابتسامه ترتسم على شفتيه:
•    قصه مخلوقات متوحشه، وهياكل عظيمه شديدة البأس، تهاجم  زوار إحدى المقابر، فقط........

توقف عن الحديث والتفت يتطلع إليهم، وكأنما يسعى لرؤيه وقع كلماته على وجوههم، قبل أن يتنهد ويكمل:
•    فقط من أجل قطرات الدموع..!!

ارتسمت ابتسامه ساخرة على شفتى (ثابت) وتمتم، وقد أنتهى من إشعال الحطب:
•    دموع، وكيف سيحصلون عليها..؟؟، رجاءً يا ابتاه، أبحث عن حديث أخر ينهي هذه الليله.

قالها وأشار إلى (سمير) الذى ارتسمت آيات الرعب على ملامحه بالفعل، فابتسم العجوز وكأنما الأمر لا يعنيه، وتابع:
•    أنهم لا يظهرون للحصول عليها، بل بعد أن يتذوقوها بالفعل.

اشاح (ثابت) بوجهه، وانكمش (سمير) أكثر فى مكانه، بينما تسأل (محمد) فى خفوت:
•    ماذا تعنى يا عماه........؟؟، كيف يتذوقوها قبل أن يظهروا..؟، هلا أوضحت.....

اتسعت الأبتسامه على شفتي العجوز (عبد الله) وقد راق له ما يفعل:
•    الامر بسيط، عندما يزرف زوار المقابر الدموع، وتتساقط قطراتُها من إعُينهم، تنجح بعض القطرات فى ملامسة الأرض، ويكونون هم فى الإنتظار........

قالها وعاد يبتسم لوقع كلماته عليهم، فتنحنح (محمد) وهز رأسه فى قوة، وكأنما ينفض القصة كلها عن عقله، وارتعشت اصابع (سمير) وهو يعبث بقطعه حطب فى النار المشتعله امامه متمتمًا:
•    رغم أنني لا أصدق حرفاً، ولكنك نجحت فى بث الرعب فى نفسي يا آبتاه..

هم (عبد الله) بمواصلة الحديث، لولا أن فوجئوا بـ (ثابت) وقد بدأ يتراجع نحو السيارة، مشهرًا مسدسه الخاص، وهو يتطلع إلى نقطة ما بين شواهد القبور، فالتفتوا إلى حيث يتطلع، ليميزوا بصعوبة مع ظلام الليل، جسد حيوان يقترب فى بطء، حيوان تلتمع عيناه ببريق وحشي.

<><><><><>
تراجع (ثابت) نحو السيارة فى بطء، وعيناه لا تفارقان ذلك الحيوان، الذي واصل أقترابه وأتضحت ملامحه المخيفه مع وهج النيران:
•    آه، ها قد تجاوزت روايتك الخيال يا آبتاه، وها نحن نواجه ذئبًا فى هذا المكان المقفر.

تشبث (سمير) بذراع (محمد) وأنكمش الأثنان والعرق يغمر جسديهما والأول يتمتم:
•    أطلق عليه النار، اقتُله يا (ثابت)
•    لا، إياك يا ولدي، لن يجرؤ على الأقتراب مادام وهج النيران يسطع فى عينيه

خفض (ثابت) فوهة المسدس، وتأمل والده الذي هب من جلسته ليحول بينه وبين الذئب:
•    أعلم هذا، ولكن لماذا لا اقتُله..؟!!، سيكون هذا أفضل.

تراقصت أبتسامه غامضه على شفتي (عبد الله) وهم بالأجابه لولا أن سبقه (سمير) وقد أستجمع شتات نفسه وجفف العرق الغزير عن عينيه:
•    رائحة الدم..

التفت (ثابت) إليه متسائلاً، فأكمل وقد تسربت الطمأنينه إلى نفسه:
•    هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات، ولا أظن رصاصاتك ستكفي وقتها

ابتسم (عبد الله) وعاد للجلوس وهو يرمق الذئب المتربص بهم بنظرات متُحديه:
•    آه، ها قد تخليت عن رعبك يا (سمير)، وبدأت تُلقي بمعومات كلية الطب التي تخرجت منها

انفرجت شفتا (سمير) للإجابه على والده، لولا أن قاطعه (ثابت) وهو يتطلع بدوره إلى الذئب:
•    وماذا لو انطفئت النيران..؟؟

التفت إليه (محمد) و(سمير) فأكمل:
•    هذا الحطب لن يصمد حتى الصباح، وسرعان ما تنطفىء الشعلة، وأنتم لا تريدون أن نجتذب المزيد من الذئاب، فما العمل..؟؟!!

بدا لهم منطقُه صحيحًا فبادره (محمد) مُتسائلاً:
•    هل لديك اقتراح معين، لقد جمعت كل ما امكنني العثور عليه من حطب، فماذا لديك..؟؟!!

اطرق (ثابت) بوجهه للحظات قبل أن يرفع عينيه المتألقتين:
•    لا يوجد غير حل واحد، ولا مفر من تنفيذه، وفورًا

<><><><><>
•    لست مُطمئنًا لقرار (ثابت) هذا، أنه يعرض نفسه للخطر وسط الظلام ووحشة المقابر

ربت (عبد الله) على كتف (سمير) وهما يتابعان رحيل (ثابت) بعد انصراف الذئب، أملاً فى أن يصل إلى الطريق، ويُحضر نجدة أو بعض الوقود
•    لا تنسى أنه يحمل سلاحه
•    أرجو أن يُفيده هذا.....!!

اقترب (محمد) من موضعهما وقد حمل بيمناه جذوة مشتعله، ويسراه تحمل كمية آخرى من الحطب، فتسأل وهو يجاهد ببصره لإختراق الظلام:
•    هل رحل (ثابت)
•    نعم يا ولدي، آه لقد نجحت فى احضار المزيد من الحطب

انحنى (محمد) يلقي بعضًا  مما جمعه فى النيران المشتعله وأومىء برأسه إلى عمه (عبد الله):
•    نعم يا عماه، هذا ما نجحت فى جمعه، وكلى أمل أن يكفي حتى الصباح

عاودوا الجلوس حول النيران يلتمسون الدفء والأمان، وشملهم الصمت لبعض الوقت، قبل أن يقطعه (محمد) مُتسائلاً:
•    لم تخبرنا يا عماه، كم عدد أبطال القصة التي كنت تتحدث عنها.؟؟
•    أربع أفراد، نجا منهم ثلاثة فى النهاية 

ابتلع (محمد) ريقه فى صعوبه، وقد بدا له تلميح عمه مخيفًا، وقبل أن يستفسر عن المزيد، فوجىء بـ (سمير) وقد تراجع مذعورًا وهو يشير إلى بقعة قريبة، نفس البقعة التي وقفوا عندها صباحًا يبكون، ويذرفون الدموع..!!

<><><><><>
تراك.. تراك.. تراك

كانت خطوات (ثابت) المرتعشة، رغم تظاهره بالشجاعة أمام شقيقه ووالده وأبن عمِه، هي الموسيقى التصويرية لخلفية مرعبة من شواهد القبور، ورداء الليل المسربل بالسواد، مع تداخلات متقطعة لقطعان الذئاب في ممالكها الجبلية المجاورة للمقابر.

تراك.. طم.. تراك.. طم
والآن يزداد الأمر سوءًا، الآن ترتفع ضربات قلبه الملتاع، لفراق والدته وأحب المخلوقات إلى قلبه، والقلق على من تركهم خلفه، والخائف من مصير مجهول ينتظره شخصيًا

أوووووووووووووووووووووووو
هذا قريب، صوت العواء هذا قريب، أندفع (ثابت) يعدو والجذوة المشتعلة في يده تُزيد توتره وقد تحولت ألسنة اللهب الناتجة عنها إلى ألف خيال وخيال، العرق يتصبب عن جبينه، أنفاسه تتردد فيكاد صداها يخرق أذنيه، كالمجنون يتلفت في كل الأتجاهات.. هل هناك من يطارده حقــًا، أم أن تلك الأشباح السوداء هي من نسج خياله..؟!

أووووووووووووووووووووووو
هذا قريب، صوت العواء هذا أقرب، وأشرس

أووووووووووووووووووووووو.. دب.. آآآآآآآآه
الآن تصمت كل الطبول، ولاصوت يعلو على صوت العراك، عراك من أجل البقاء، بين ذئب شرس تدفعه الغريزة، وأنسان خائف.. ووحيد.

<><><><><>
•    حافظا على هدوئكما، وتراجعا نحو السيارة ببطء

أنتفض (سمير) متعلقــًا بذراع أبن عمِه، وهما يتراجعان صوب السيارة، وأمامهما وقف العجوز (عبد الله) ليحول بينهم وبين ذلك الشيء الذي بدأ يترنح، نافضًا الغبار عن نفسه، متقدمًا نحوهم.
•    ما هذا الشيء بالضبط، ماهذا بالله عليك يا آبتاه.؟!!!!
•    الله سبحانه وتعالى أعلم، لا تُضيعا الوقت.. أصعدا إلى السيارة، فهى حصصنا الوحيد

بغتة.. تحرك ذلك الشيء، كان أشبه بهيكل عظمي بسلاميات يديه المتدلية، ولكن السرعة التي تحرك بها، لم تكن لتتناسب مع هيكل عظمي أبدًا، عندما لمحه (سمير) للمرة الأولى كان يبعُد عن مكانهم نحو عشرة أمتار، وعندما بدأوا في التراجع نحو السيارة أتسعت المسافة.. كان يواجه النيرات التي أشعلوها على مقربة من مقدمة السيارة، ومع تحركه المباغت صار يقف في البقعة المُظلمة المواجهة لمؤخرة السيارة.!!

•    رباه.. ما هذا بالضبط، هل رأيت كيف أنطلق من هناك إلى.. إلى هناك
قبضت أصابع العجوز (عبد الله) على يدي (محمد) و(سمير)، يمنعهما من مواصلة الطريق نحو السيارة، فألتفتا إليه متسألين
•    لا أعتقد أن السيارة ستنقذنا من هذا الشيء، أسرعا نحو النار.. يبدو أنها تُخيفه

أنطلق ثلاثتهم بإتجاه شعلة النار وحصن الأمان، ومن خلفهم دوى صوت كهزيم الرعد، صوت ثائر غاضب، صوت قادم من أعماق الجحيم، صوت تتدلى سلاميات يداه كالهياكل العظمية..!!

<><><><><>
سقط (ثابت) أرضــًا بينما الذئب الشرس يجثم على صدره بأنفاسه الكريهة، وأنيابه المتعطشة لمذاق الدم.

"هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات"
أندفعت تلك العبارة تحتل كل جزء من خلايا عقله، بينما يمناه تبحث بإستماتة عن مسدسه وقد سقط إثر هجوم الذئب المباغت، هذا يعني أن أستخدام المسدس صار كارثة لا وسيلة نجاة.

مخالب الذئب وأنيابه لم تكن لتنتظر، كانت تمزق كل ما وصلت إليه من ملابس وجسد (ثابت)، بينما الأخير يجاهد بيد واحدة لإبعاد الذئب عن وريده العنقي، ولكن إلى متى..؟

"هذه الحيوانات تجتذبها رائحة الدم، ولو أننا تسرعنا بقتله، سيأتى العشرات"

وماذا يفعل..؟، أصابعه ألتقطت مقبض المسدس، لحظات وتنطلق الرصاصة وتتناثر الدماء لتُغرق وجهه وملابسه

"سيأتى العشرات"
"سيأتى العشرات"

•    لااااااااااااااااااااا
أنطلقت صيحة (ثابت) هادرة، ومعها أفلت مسدسه، وقد صار قاب قوسين من أستخدامه، مؤديًا حركة بهلوانية ليعتلي ظهر الذئب، معتصرًا رأسه بكلتا يديه، تمامًا كما تعلم في تدريبات الإشتباكات اليدوية.

أسلوب غريب لم يعتده الذئب مع ضحاياه، كانوا يقاومون، يدفعون أنيابه ومخالبه بإستماتة، يصرخون طلبًا للعون، ولكنهم أبدًا لم يطوقوا رأسه، لم يحدث أن أعتصروا رقبته بهذا العنف، أنه يختنق، شعور غريب.. لم يسبق أن مر به، أن عيناه تدمعان.. يشعر بالدوار.. أنفاسه تتلاحق وعواءه صار أقرب إلى صراخ فأر مذعور.

ترااااااااااااااااك
أخيرًا صدرت تلك القرقعة المميزة لتحطم فقرات العنق، وسقط الذئب.. ومعه سقط (ثابت)، الأول ميتًا.. والثاني فاقدًا للوعي من حجم المجهود العصبي والعضلي.

ولكن..
ليس هذا بالمكان المناسب لفقدان الوعي، إن الليل حالك السواد.. ولكنه ليس مُخيفــًا، أن المقابر موحشة تمتلأ الجبال المُحيطة بها بمخاطر شتى ليست الذئاب أولها ولا الثعابين آخرها.. ولكن خطرها قابل للمواجهة، إن المشكلة الحقيقة تكمن فيما فعلت عينا الذئب قُبيل موته، لقد دمعتا، ليته لم يعتصر رقبته بكل هذه القوة، إن دموع الذئب الراحل تلامس الأرض، قطرات ساخنة.. مُلتاعة، قطرات هى الوحيدة القادرة على احضار تلك الأشياء الرهيبة.

<><><><><>
•    بدأت الشعلة تذبل يا آبتاه

نظر (عبد الله) إلى النار التي بدأ لهيبها يخفُت رويدًا رويدًا، ثم التفت إلى رفيقاه (محمد) و(سمير)، وإلى ذلك الكيان الغامض، الواقف بلا حراك في تلك البقعة التي لا يصلها ضوء النار، ينتظر خبوها ليبدأ ليلته..!
•    لست أحب التفكير فيما سيكون بعد انطفائها، لكني أدعو الله أن يلطف بنا، فلا تنطفيء النار حتى نجد من يُغيثنا.
•    لنحاول أن نُبقيها مشتعلة إذن

بثت عبارة (محمد) بعض الطمأنينة في نفس (سمير) فالتقط نفسًا عميقاً:
•    وكيف ذلك..؟، ألا ترى الخطر الذي ينتظرنا لو أن أحدنا تجاسر لحظة، إن دائرة الأمان بالنسبة لنا هي البقعة التي يصلها ضوء النار ودفئها.

هز (محمد) رأسه عن غير إقتناع:
•    وهل لدينا وسيلة أخرى، ثم من يُدرينا أن هذا الشيء الجاثم هناك سيغادر خلف من يسعى منا لإحضار المزيد من الحطب..!

تدخل العجوز (عبد الله) في الحديث:
•    لا داعي للمجازفة، ليس أمامنا إلا الإنتظار والإبتهال إلى الله أن تبقى هذه الشعلة ريثما يعود (ثابت)
•    وماذا لو لم يعد..؟

أرتجفت الكلمات على شفتي (سمير) وهو يتأمل ذلك الشيء القابع في الظلام:
•    حقــًا، لماذا لا نفكر فيما نواجه الآن فحسب، ثم ما أدرانا عما يواجه (ثابت) في هذه اللحظات، لعله في صراع أشد ضراوة للإبقاء على حياته.

عاد العجوز (عبد الله) يتدخل في الحديث، وقد غلبت نبرات صوته حشرجة حزن، وقد ولى رفيقاه ظهره:
•    كفا عن هذا الحديث، ولدي سيعود، أنا أعرف هذا.. واثق به، أمكثا هنا وسيظهر (ثابت) بين اللحظة والأخرى

لم يكد ينتهي من كلماته حتى بدأ يقترب حثيثــــًا من مؤخرة السيارة، مُمسكــًا جذوة مشتعلة بيمناه، فأنتفض (محمد) و(سمير) ينويان اللحاق به، وقد أدهشهما ذهاب الخوف عن قلبه بهذه السرعة
•    إلى إين يا عماه..؟، طلبت منا المكوث والصبر، بينما تعرض حياتك للخطر في مواجهة هذا الشيء الذى لا ندري كنهه..؟

صرخ (عبد الله) غضبًا، وهو يواصل تقدمه البطيء نحو مكان ذلك الشيء:
•    وهذا ما أنوي فعله، أود رؤية هذا الشيء عن قرب، وبشكل أوضح.

<><><><><>
أنطلق رنين الهاتف في منزل الحاج (زهير) إبن عم العجوز (عبد الله)، فأنتفض من نومه يتطلع إلى عقارب الساعة التي أشارت إلى ما بعد منتصف الليل ببضع دقائق:
•    ربي لا أسئلك رد القضاء ولكني أسئلك اللطف فيه، خيرًا يارب

أتاه صوت أنثوي قلق على الطرف الآخر تعرف فيه نبرات شقيقته والدة (محمد) المُقيمة بالقاهرة:
•    مرحبًا بأم (محمد)، هل وصل الجماعة..؟
•    يا الله، هذا ما كنت أخشاه، أخبرني يا حاج (زهير) متى غادروا المقابر..؟

غادر الحاج (زهير) فراشه، وقد إزدادت قبضته على سماعة الهاتف:
•    ماذا تعنين يا أختاه..؟، ألم يعودوا بعد..!، ولكن كيف..؟، لقد تركناهم منذ مايزيد على الساعات العشر..
•    الغوث يا (زهير)، قلبي يحدثني أن مكروهًا أصابهم
•    أهدئي يا أختاه ولا تفقدي إيمانك، لعل عطبًا أصاب السيارة، سأبحث عنهم وأطمئنك حال عثوري عليهم

أغلق الهاتف وعاد يتأمل عقارب الساعة، ترى ماذا أصابهم..؟، لقد أثر تركهم بعض الوقت ليفرغوا إنفعالاتهم أمام قبر الراحلة زوجة (عبد الله) إبن عمِه، وتصور أن الوقت لن يتخطى الساعة حتى يجمعوا شتات أنفسهم ويغادروا المقابر والمحافظة كلها، هكذا عرف (عبد الله) وقوة شخصيته، ومؤكد أن ولداه يحملان نفس الصفات، وكذا إبن عمِهما (محمد) وقد نشأ وسطهم بعد وفاة والده وهو بعد لم يتخطى العاشرة.

هل حقـــًا أصابهم مكروه كما أخبرته شقيقته على الهاتف، مازال يذكر كيف أحست بوفاة زوجها رحمه الله قبل أن يصلهم الخبر بسبع ساعات كاملة، إن أبنها بينهم وهو كل شيء لها، من الجائز أنها تشعر به وما يحدث له، تمامًا كما كانت تشعر بوالده عليه رحمة الله.

•    ماذا ستفعل الآن يا حاج..؟
التفت إلى زوجته، وقد استيقظت إثر رنين الهاتف:
•    سأذهب إلى المقابر، قلبي يُحدثني أنهم هناك.
•    هناك..!!، الأفضل أن تبحث على طريق المحافظة، لعل عطبًا أصاب سيارتهم

هز الحاج (زهير) رأسه، وقد انتهى من إرتداء ملابسه:
•    سأرسل من يبحث عنهم على الطريق، أما أنا.. فسأذهب إلى المقابر داعيًا الله أن أصل في الوقت المناسب.

<><><><><>
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
صدق الله العظيم
(سورة التوبة: الآية51)

تشبث العجوز (عبد الله) بالجذوة المشتعلة في يمناه، وقلبه ولسانه وعقله، يتبعونه في ترديد الآية الكريمة، وقد أحس بإنها الملاذ الوحيد مما هم فيه.

ومن خلفه تعالى صوتي (محمد) و(سمير) في محاولة أخيرة لإثنائه عن تلك الحماقة، وهو الذي طلب منهما الإبتعاد وإيثار السلامة، ومعه حق، لقد بلغ من العمر أرزله، ولن يضيره لو تلقى بضع سحجات في عظامه أو أخترقت أنياب كائن مجهول أنحاء جسده، سيموت.. وليكن، المهم أن يبقى أبنه وأبن أخيه.. أن يحيا الصغار ليُكملا الطريق.

•    أنه يتحرك.. أحترس يا آبتاه
أنتبه من شرود أفكار على صيحة (سمير)، فرفع الجذوة ليكشف بضوء نارها ظلام المسافة الباقية، السيارة كما هي.. كما تركوها منذ بضع دقائق، فقط يبدو وكأن شيء ثقيل قد سقط على مؤخرتها حيث الحقيبة، أين ذلك الشيء إذن.

أدار الجذوة يمينًا ويسارًا، ليحظى بأكبر مساحة ممكنة من الرؤية، دون جدوى.. وكأن هذا الشيء قد تبخر
•    هل رأيتما إين ذهب..؟

كان يولي ظهره للسيارة، ناشدًا إجابة عن مكان إختفاء الشيء من الشابان، ولم تكد أعينهم تلتقي.. ورغم بعد المسافة والظلام المنتشر، لمح نظرة ذعر هائلة في عيناهما.. نظرة تصرخ أن يحترس.. أن يلتفت مسرعًا، ولكنه لم يكن خبيرًا في قراءة الرسائل الصامتة على أي حال.

<><><><><>
هناك في تلك البقعة، وسط شواهد القبور، والقمم الجبلية القريبة، ورداء الليل شديد السواد، رقد (ثابت) فاقدًا للوعي.. غائبًا عن كل ماحوله، وإلا فكيف سكن جسده وسط هذا الموقف، كيف يمكنه الإسترخاء وإلى جواره جثة.. حتى ولو كانت لذئب.

لقد بذل مجهودًا عصبيًا بالغــًا للسيطرة على خوفه وقهر الذئب بيديه العاريتين، حتى لا يوقع نفسه في مواجهة أشرس مع عدد أكبر من الذئاب، ولإن لكل إنسان طاقة لا يمكنه تجاوزها، فقد صرخ جهازه العصبي وأنطفأ.. بلا مقدمات.

ثوان.. دقائق.. أكثر، لم يدر (ثابت) كم لبث فاقدًا للوعي، هو على الأرجح لم يشعر بفقدان الوعي أساسًا، لقد قتل الذئب.. وسقط يلتقط انفاسه ثم هب واقفــًا، هذا ما وجده كتفسير مُعد في خلايا عقله الرمادية، ولم يكن لديه وقت للتحقق أو المناقشة.

لقد أنطفئت الجذوة، متى وكيف..؟، الله وحده أعلم، لعل صراعه مع الذئب قد ألقى عليها ببعض التربة وقد سقطت أرضــًا، المهم الآن أن يواصل ما بدأه.

•    رباه.. كيف يمكنني تحديد وجهتي في هذا الظلام..؟

فجأة سطع أمام عينيه ضوء خافت متقطع، فأنحنى أرضــًا يحدق في مصدره:
•    عجبًا.. كنت أعتقد أن الهاتف قد تحطم، ثم لماذا يعمل الآن.. ألم يكن مُعطلاً..!!

أتاه صوت مألوف على الجانب الآخر، يهتف سعيدًا:
•    حمدًا لله، أين أنتم يا ولدي، ولماذا لم يجبني (عبد الله)..؟
•    العم (زهير) أهو أنت، أهو أنت حقــًا؟
•    بالطبع يا ولدي، ألم ترى رقم الهاتف قبل أن تُجيب..؟
•    أعذرني يا عماه الظلام هنا شديد، كما أن شاشة الهاتف قد تلفت أثر سقوطي و...
•    سقوطك.. أين أنتم يا ولدي.. إن قلبي ينتفض قلقــًا عليكم

لم يكن تعرف (ثابت) لإحداثيات المكان بالشيء السهل، خاصة مع الظلام الدامس.. ولكنه نجح أخيرًا.. ولم تمر إلا بضع دقائق حتى كان يعانق الحاج (زهير).. ليبدأ معًا في وضع نهاية لتلك الليلة.

<><><><><>
ما هو أسرع رد فعل لشيخ تجاوز العقد السابع..؟، الوثب.. الإنحناء.. الدوران عكس عقارب الساعة، إطاحة الذراعين في حركات معقدة كلاعبي رياضات الدفاع عن النفس، أم فقدان القدرة على الوقوف.. الشعور بالدوار.. والسقوط كالحجر..؟!!

الواقع أن رد فعل العجوز (عبد الله) قد تجاوز كل تلك الأمور، ما أن رأى تلك النظرة المحذرة في عيني أبنه وأبن شقيقه، ورغم عدم تفوه أيٍ منهما بحرف واحد، فقد آمال جسده ليستند إلى السيارة مطوحًا بالجذوة المشتعلة نحو البقعة التي تركز عليها نظر (محمد) و(سمير).

تصرف بسيط.. سريع، وجاء في الوقت المناسب تمامًا، خاصة مع صوت العواء الرهيب الذي كاد يُتلف أذنيه وسقوط تلك البقعة السوداء على بعد خطوات منه وقد تعلقت النيران بظهرها.

كان شيء بالغ السواد.. ضخم، آمال رأسه الطويل في محاولات لبلوغ الجحيم الملتصق بمؤخرته والشعلة الزاحفة على فراءه الكثيف، شيء هو أقرب إلى كلبين مدمجين لو أن شيئًا كهذا موجود.

•    أبتعد يا آبتاه، آبتعد بالله عليك

أفاق من شروده على صرخات (سمير) و(محمد)، فأسرع مترنحًا يعود حيث هما، وهو لا يكف عن التلفت نحو ذاك الشيء الغامض.

•    هل رأيته عن قرب يا عماه، ما هو.. ما هذا الشيء بالضبط..؟
•    لا أدري حقــًا يا (محمد) إن رأسه لكبير حقــًا، وأنيابه ومخالبه شديدتا البياض، لم أرى هذا المخلوق من قبل في حياتي
•    ولكن عواءه يشبه الذئاب يا آبتاه.!!
•    لا أدري.. لاأدري يا ولدي، الغريب أن النار قد التصقت بفراءه وكأنه مغطى بطبقة من قوابل الإشتعال..!

في نفس اللحظة، كان ذاك الحيوان يرقد أرضــًا متقلبًا مستعينًا بالأتربة لإطفاء النار التي أكلت ظهره في لحظات، مع أنتشار رائحة شواء مقيتة، وسيمفونية كالرعد لأكثر من ذئب جذبهم العواء قبل الرائحة.

وقف الثلاثة، وقد عجزوا عن التصرف والتفكير، سحابة من الغبار برزت على مرمى البصر تتقدم صوب مؤخرة السيارة، حيث يرقد أرضــًا ذلك المخلوق المجهول وقد أوشك على إطفاء الجحيم المستعر في مؤخرته، العواء يقترب بينما ملامح السحابة تتضح رويدًا رويدًا، وقد أخفت عشرات الأنياب والمخالب المتعطشة للدماء.

أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووو

صرخات وعواء، سيمفونية رهيبة مزقت سكون الليل، وخلخلت البقية الباقية من الثبات في قلوب (عبد الله) و(محمد) و(سمير)، وكادت تقضي على حياتهم لولا تلك الطلقات.

عشرات الطلقات، غطت رائحة الشواء بالبارود المنبعث من بنادق أصحابها، ومع السيل الكثيف والأضواء التي سطعت وسُلطت فجأة وكأنما برزت من العدم، تحول العواء من رغبة في مذاق الدم.. إلى عواء مذعور أسرعت معه الذئاب بالفرار والعودة من حيث أتت.

•    أطلقوا النار على هذا الشيء الكبير
أسرع رجال الحاج (زهير) يركضون ببنادقهم وأضواءهم خلف الحيوان الضخم، وقد تخلص من النار وأسرع بالإبتعاد مع فلول الذئاب.

•    (زهير).. حمدًا لله، مهما قلت لن أعبر عن أمتناني لرؤيتك في هذه اللحظات.
•    الفضل لولدك (ثابت)، لولا عثوري عليه أولاً لأستغرقت وقتــًا حتى أصل إليكم هنا

أسرع (عبد الله) يُحيط عائلته الصغيرة بذراعيه، وقد أنهمرت دموعه غزيرة.. فرحًا بنجاة الجميع.

•    لم نستطع اللحاق به يا حاج، إنه سريع جدًا، أسقطنا بعض الذئاب.. بينما أفلت هو في دروب الجبل
•    ما هو، ماهذا الشيء يا عمنا (زهير)..؟
•    صدقني يا (محمد) لا أعلم..، هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها عن هذا القرب
•    أتعني أنك تعلم بوجوده..!

تنهد الحاج (زهير)، وعقله يسترجع عشرات القصص والحكايات عن ذلك المخلوق الضخم بشع الخلقة ذي الفراء الكثيف شديد السواد، وما يفعله حال ظهوره بالمنطقة.. ثم التفت إلى إبن عمِه وصحبته، ورفع رأسه إلى السماء.. يحمد الله العلي القدير على سلامتهم ونجاتهم.

•    هيا بنا، لنغادر الآن وأعدكم بسرد كل ما أعلمه عن ذي الفراء هذا
أتجه الجميع صوب السيارت وقد تشابكت الإيدي والأكف، وتوقفت الأعين عن إدرار الدموع، ربما من هول ما رأت.. أو لعلها أدركت أخيرًا أن الدموع ليست هي السبيل الوحيد لمواجهة الصعاب.

تمت بحمد الله
Read More

Post Top Ad