سحب المحقن الفارغ من ذراع الجسد المسجى أمامه في الظلام شاعرًا بالرضا، وتسللت إلى نفسه بعض الطمأنينة وهو يتراجع للجلوس على حافة السرير في تلك الغرفة الضيقة مجففًا عرق غزير بارد ينساب على رأسه وكأنما وحده تنهال على رأسه أمطار خفية!.
الآن فقط يمكنه أن يحصل على أنتقامه الذي يخطط له منذ عشرِ سنوات كاملة، سيدمر حياته كما سبق وأن فعلها هو معه، سيدمر عائلته وسيمحو أحبائه من الوجود كما سبق وفعلها هو معه، وبأبشع طريقة ممكنة.
سحب أكبر كمية ممكنة من الهواء وكأنما يخشى أن ينفذ من الغرفة فجأة، ثم هب واقفًا وهو ينزع الأغطية عن عدد من الحاويات البلاستيكية الصغيرة ويسكب محتوياتها على الأرض والأثاث متجها في هدوء إلى خارج الغرفة وقد بدأت رائحة نفاذة لمادة بترولية تنتشر في الأجواء.
انتهى من سكب كل الحاويات في أرجاء المكان، وعاد يستنشق الهواء المحمل بالرائحة الخانقة بشغف أكبر، ثم أخرج هاتفه المحمول وضغط أزراره في سرعة:
- الو .. "مجدي" باشا
- أهلا يا حمار .. إيه اللي اخرك كده، مستني مكالمتك بقالي ساعة
الجمته استجابة الباشا غير المتوقعه
- مستغرب ليه يا حمار .. وبعدين مش تخلي عندك ضمير وتدلق البنزين بذمة، الحتة اللي عند المطبخ دي مش هتوصلها النار إلا كمان ساعة
تلفت حوله في توتر مع الثقة التي يواصل بها محدثه
- بس عموما أنا هوفر عليك، وعلى فكرة، اللي أنت اديتلها حقنة المنوم دي تبقى مراتك "سامية"، أيوة هي مامتش ذي ما قلنالك، كنا محوشينلكم الموتة الحلوة دي مع بعض
ترقرقت الدموع في عينيه وهو يتطلع إلى غرفة النوم المفتوحة أمامه، فيما يواصل "مجدي" حديثه الغريب
- في قنبلة تحت الطرابيزة اللي انت ساند عليها.. قدامها خمس ثواني تقريبا وتفرقع، يلا سلام بقى عشان ورايا شغل
لم يكد ينطق الحرف الأخير حتى دوى انفجار مكتوم، تصاعدت معه ادخن كثيفة وارتفعت السنة هائلة من النار ساعد على تأججها محتوى الحاويات التي سبق وأن سكبها الـ.....
أستووووووووووووووووووووووووب
دوت الصيحة العالية في المكان، فالتفت العاملين بسرعة إلى "البرنس" مخرج الروائع وقد أنقلبت سحنته، فاقترب مساعده متسائلاً
- إيه ياباشا.. المشهد فيه حاجة مش مضبوطة
- خليهم يطفو النار دي
ثم تابع وهو يغادر مقعده بينما يهرع عدد من العاملين لإطفاء النيران المستعره في ذلك الركن من بلاتوه التصوير
- فاكس المشهد ده، مش حلوة النهاية كده، المفروض أن الولد يموت مرات ضابط أمن الدولة، ويولع فيها عشان يحقق أنتقامه، أحنا كده بنخلي الشر يستمر في الأنتصار.. فاكس .. فاكس .. اتصلي بالمؤلف الحمار ده خليه يغير المشهد، وشوفلي فين بتاع الخدع
تجمد مساعده في مكانه وقد أكتست ملامحه بالكثير من الفزع
- أنهي بتاع خدع حضرتك، ما هو اللي كان نايم من شوية في السرير!
التفت "البرنس" إلى مساعده الذي يواصل وقد بدأت أرتشاعة ملحوظة تجتاح جسده النحيل
- مش حضرتك لما المدام "سهير" اتأخرت على معاد التصوير قلتلي اتصرف وحط أي حد مكانها خصوصا أن المشهد ضلمة ومش هيبان، فشربنا "جلال" بتاع الخدع شاي بحبايتن ونيمانه في السرير اللي فرقع من شوية!
حدق "البرنس" في موضع الحريق الذي يواصل العمال محاولات إطفائه متخيلا "جلال" المسكين وذلك الممثل النحيف الذي لا يذكر أسمه وقد أصبحا كلاهما اشلاء، الأول وقد جرى تخديره دون أن يشعر، والثاني بعد أن فوجيء بقنبلة حقيقية تنفجر بجواره وقد اقنعوه أن "البرنس" ملك الروائع يستخدم الحيل المتقنة في افلامه بعكس ما يفعله فعلا!
مط شفتيه في ملل، ثم هز رأسه وهو يغادر البلاتوه
- مش مشكلة، شوفلنا حد تاني وبالمرة دور على ممثل تاني بدل اللي ولع ده!