ده رابع يوم من أيام اجازة نص السنة، أنا زهقانة وقاعدة لوحدي، ماما طول النهار يأما بتتفرج في التلفزيون على برامج الطبخ، أو تمثيليات مش بفهم منها حاجة، يأما بتلعب في الموبايل بتاعها.. أنا زهقانة!
أنا كمان عندي تليفون، بابا اشترالي تليفون قبل ما يسافر عند ربنا، تليفون بكاميرا، بس أنا مش عندي حد أكلمه ومش عندي حد أصوره، مش عندي أصحاب عشان ماما بتخاف أني أعزمهم عندنا ويبهدلوا الشقة، وقرايبنا ساكنين بعيد كتير أوي عن بيتنا.. أنا زهقانة.
مش عارفة ماما بتحبني ولا لاء، بس هي ساعات بتيجي تنام جمبي بالليل وبسمعها بتعيط، هي طيبة أوي، وبتعملي أكل جميل وأنا بحبها خالص، بس هي مش بتلعب معايا أبدا، خصوصا من وقت ما بابا سافر عند ربنا.. أنا زهقانة.
الإجازة دي رخمة خالص، أنا كنت بحب المدرسة كتير، هناك في أصحابي وميس سمر اللي بتلعب معانا وتخلينا نرسم ونلون ونلعب بالصلصال.. ماما مش بتحبني العب بالصلصال عشان بيبهدل الأرض، بس أنا مش بوقعه ع الأرض، هو اللي بيجري عشان يستخبى مني.. أنا آسفه يا صلصال مش هفعصك تاني!.
أنا سمعت ماما بتكلم حد النهاردة في التليفون، وكان صوتها بيزعق وبيصرخ، أنا مش بحب ماما تصرخ عشان بخاف، وكمان هي بعد ما بتزعق بتقعد تعيط كتير خالص وبتسبني لوحدي، ومش بتديني الأكل بتاعي.. أنا جعانه، وزهقانه!
في حاجة كمان بتزعلني من ماما، هي ليه مش بترضى تخليني أدخل أوضة بابا اللي فيها الكتب الكتير، أنا بحب أدخل هناك عشان بفتكر بابا، بحب أشوف الحاجات بتاعته، بس ماما بتقول أني هبوظ الأوضة وهوقع الكتب، أنا مش ببوظ.. أنا هستنى لما ماما تنام وأدخل أوضة المكتب بتاعة بابا.. بابا وحشني خالص!
الدنيا ضلمة أوي، أنا مش بخاف من الضلمة، بابا قالي أن اللي بيخاف يبقى جبان ومش حلو، أنا بسمع كلام بابا ومش بخاف من الضلمة، عشان كده اتسحبت بعد ما ماما نامت على نور التليفون بتاعي لحد ما دخلت أوضة بابا اللي فيها الكتب الكتير، ومن غير ما أولع النور.
بابا قبل ما يسافر عند ربنا كان بيشغلي أفلام كرتون، بس هو شايلهم فين؟
أهم.. في الدرج الكبير، بس إيه اللي جمبهم ده.. دي عروسة؟
عروسة أزرقا وشكلها جميل خالث، دي كمان ناعمة وبتبرقلي في الضلمة، أنتِ خايفة من الضلمة، بابا قال اللي بيخاف جبان، خليكي جامدة زيي، تعالي نلعب سوى في الأوضة بتاعتي عشان ماما لو شافتنا هنا هتزعل مني، وممكن ترميكي في الزبالة زي ما رمت عروستي القديمة بعد ما رجلها اتكسرت وشعرها وقع، بس أنتِ رجليكي مش هتتكسر، أنا هحبك وهتنامي في حضني كل يوم، بس أنتِ ليه مش ليكي ايدين؟!.
أنا مش زهقانة، أنا بحب عروستي الجديدة كتير، وبنلعب مع بعض كل يوم، بس هي مش بتحب ماما، مش عارفه ليه؟، كل ماما ما تيجي تشوفني وابقى عاوزة أوريها العروسة ملاقيهاش، ماما زعلانة مني وفاكراني بكدب.. أنا مش كدابة.. الكدابين وحشين وبيروحوا النار، أنا هتصور مع عروستي وأوري الصورة لماما عشان تصدقني.
***********
أنا بقالي كتير نايمة، دماغي بتوجعني.. أنا جعانه، دي مش أوضتي، فين ماما، ماماااااااااااااااااا.
***********
العروسة الأزرقا طلع يها أصحاب، كلهم بيجوا يلعبوا معانا في المكان الغريب ده، أنا بحبهم .. بس الأكل بتاعهم مش حلو زي أكل ماما.. ماما وحشتني!
***********
- طمني يا دكتور.. في أخبار جديدة!
- للأسف يا مدام، مفيش في ايدينا حاجة نعملها، النوع ده من الغيبوبة ممكن يستمر للأبد، وممكن ينتهي من غير سبب.. ادعيلها.
وهل تملك أم لطفلتها الوحيدة التي أتمت عامها السادس منذ أيام وسقطت فريسة لغيبوبة غامضة سوى الدعاء، الدعاء بأن تبقى إلى جوارها بعد أن فقدت زوجها ولم تعد تحتمل فراق جديد سيقضي عليها لا محالة.
تنساب الدموع الحارة من عينيها وهي تتأمل طفلتها النائمة من خلف حاجز زجاجي، بينما صورة "سيلفي" للصغيرة مع لعبة زرقاء غريبة أشبه بعرائس عالم سمسم وجدتها على الهاتف الذي كان زوجها أهداه لطفلته قبل وفاته بأيام تشغل تفكيرها وتدفع الف سؤال إلى رأسها الذي يكاد ينفجر.
من أين حصلت الصغيرة على هذه اللعبة، ولماذا لم تنجح في العثور عليها.. لماذا؟